فعالية الدواء الوطني أمام الأجنبي مثار جدل كبير.. “الأطباء والصيادلة يحجمون عن توثيق آرائهم التي يبوحون بها خلف العيادات المغلقة”
لا شك أن جميعنا يلاحظ عند زيارة أي طبيب، أن الأغلبية منهم يختارون وصف الأدوية الأجنبية للمرضى الذين يراجعونهم، وكذلك الأمر في المشافي، والصيدليات التي تنصح هي الأخرى في كثير منها بالنوع الأجنبي، الأمر الذي جعل لدى الناس “صورة نمطية”، بأن “الدواء المحلي”، قليل الفعالية، وبالتالي يتجهون لما ينصح به الأطباء، لكن هذا الأمر اليوم بات من الصعب تحقيقه “فبالكاد” يستطيعون تأمين الدواء الوطني حتى يفكروا بالأجنبي! فهل فعلاً الدواء الأجنبي أفضل وما حقيقة هذه الصورة المعتادة؟.
هذا الأمر سلّطت الضوء عليه صحيفة “تشرين” الرسمية، حيث كتبت “إن حكاية الدواء المصنّع محلياً مع حيثية الفعالية باتت معلنة، مضيفة، بسبب عدم الموافقة على رفع الأسعار بما يواكب ارتفاع التكاليف، تلجأ الشركات المصنعة للدواء، إلى تقليل نسبة المادة الفعالة المستوردة”.
وأشارت الصحيفة، إلى “السجالات بين أصحاب شركات الدواء ووزارة الصحة من أجل رفع أسعار كثير من الأصناف، قائلة، هذا حديث متكرر مع كل ارتفاع ولو كان طفيفاً في أسعار صرف العملات الأجنبية في السوق المحلية”.
وأضافت الصحيفة “المسألة حساسة بالفعل، لأن تبعاتها أبعد من مجرد ربح وخسارة، فهي تصل إلى صحة المواطن، والصحة أولوية في حياة الجميع”.
وأردفت الصحيفة أن “الأطباء والصيادلة يرفضون توثيق آرائهم التي يبوحون بها لمرضاهم وذوي المرضي في العيادات المغلقة، لذا لم نجد من هو مستعد من الأطباء والصيادلة، للإدلاء برأي صريح وموثّق حول هذا الأمر”.
ورأت الدكتورة “رنوة السيد” من كلية الصيدلة بجامعة دمشق، بأن الصناعة الدوائية واجهت الصعوبات نفسها التي واجهتها كل الصناعات في سورية، ما اضطر الكثير من المعامل لأن تخفض إنتاجها أو تقلل من إنتاجها على حساب النوعية، مشيرة إلى أن العملية الإنتاجية تعاني من غلاء في الموارد وظروف العمل غير المناسبة، مشيرة إلى أنه لا توجد دراسات واضحة ولا أرقام واضحة حول تراجع فعالية المادة الدوائية.
ورداً على ذلك، نفت “نقابة الصيادلة” نفياً قاطعاً تهمة “الفعالية القليلة”، حيث استنكر “حسن ديروان” رئيس فرع دمشق لنقابة الصيادلة، الادعاءات بقلة فعالية الدواء الوطني، مؤكداً أن هذا غير صحيح، فالدواء المصنّع محلياً يخضع لتحاليل مخبرية فيزيائية وكيميائية وجرثومية دقيقة للتأكد من فعاليته ومطابقته للمواصفات قبل طرحه بالسوق السورية أو تصديره إلى الخارج.
اقرأ أيضاً: تكلفته 100 ألف ليرة.. “فحص ما قبل الزواج” خط الدفاع الأول لضمان صحة العائلة
مؤكداً أنه لا يسمح ببيع أي دواء مخالف للمواصفات والتحاليل الفيزيائية الكيميائية والجرثومية وحتى لو ثبت ذلك بعد طرح التحضيرة في الصيدليات تسحب التحضيرة وتتلف، وتتم التحاليل بمخابر وزارة الصحة.
وهو الأمر ذاته، الذي أكدته مدير الرقابة والبحوث الدوائية في وزارة الصحة الدكتورة “رانيا شفه”، مشيرة إلى أنه لا صحة لوجود دواء غير فعال.
بدوره أكد أستاذ الرقابة الدوائية في كل من جامعتي دمشق والأندلس الخاصة للعلوم الطبية الدكتور “عامر مارديني”، أنه لا يمكنه أن يتبنى فرضية تراجع نسبة المادة الفعالة في الدواء المحلي، لأن مصانع الأدوية لا يمكنها الدخول في مخاطرة خفض كمية المادة الفعالة بهدف الربحية لأن عيار المادة الفعالة هو المشعر الأهم القابل للقياس من قبل مديرية الرقابة في وزارة الصحة، وفي حال مخالفة المصنع لهذه المواصفة فإنّ إجراءات وزارة الصحة العقابية عسيرة جداً.
وأضاف، كما أن المصانع ليست بحاجة لخفض كمية المادة الفعالة لأنها لم تعد تشكل تلك القيمة الكبيرة من سعر الدواء بعد ارتفاع الكلف التشغيلية الهائل وكذلك أسعار المتممات الدوائية كالعبوات والكرتنة والطباعة وغيرها، كما أن خفض المادة الفعالة قد يكون أكثر ضرراً على المريض من عدم وجودها نهائياً، لأن التأثيرات الضارة للمادة الدوائية المنقوصة كميتها ستسيء للمريض.
وبينما لا يزال بعض المرضى يدورون في فلك الفعالية الأكبر للدواء الأجنبي أو الوطني، يؤكد آخرون أن الأمر لم يعد بتلك الأهمية بالنسبة لهم، لأن النوعين باتوا يؤمنونه بشق الأنفس، وبالتالي عندما يكون “الوطني” أرخص، فحكماً سيكون خيارهم “المناسب لقروشهم وهذا إن استطاعوا شراءه!!” مؤكدين أن الغلاء لم يقف عند الدواء الأجنبي فالوطني هو الآخر لم يعد أفضل حالاً.
وبخصوص المطالبات من قبل مصانع الأدوية، لإعادة تسعير الدواء، بعد رفع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، طالب رئيس فرع دمشق لنقابة الصيادلة الدكتور “حسن ديروان”، وزارة الصحة بالإسراع في معالجة الموضوع حتى لا نعاني من فقدان الأدوية من الصيدليات.
وقال “ديروان” أتمنى على الصناعة الدوائية أن تشارك الناس همومها، وألّا ترفع أسعار منتجاتها إلّا بما يرضي الله، باعتبارها كانت قد جنت في الفترة ما قبل الحرب أرباحاً طائلة.
وأمام هذا السجال المستمر منذ عشر سنوات بين وزارة الصحة ومصانع الأدوية، والذي كانت نتيجته استسلام الوزارة لمطالبهم ورفع أسعار معظم الأصناف الدوائية عدّة مرات، دون النظر إلى دخل المواطن السوري وقدرته على مجاراة تلك الأسعار، ليكون وحده الخاسر الأول والأخير!!
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع