“تراجعت حتى النصف”.. الأوضاع الاقتصادية ترخي بظلالها على نسبة الولادات في سورية
في الوقت الذي تعاني فيه سورية من تضخم قياسي بالأسعار لم تشهده البلاد عبر تاريخها، فإن الأولويات لدى أغلب المواطنين تغيّرت.
وبينما نشهد خلال الأعوام الأخيرة ارتفاع كبير بأسعار مستلزمات الأطفال، وخاصة الحليب الذي مر ولا يزال بحالات اختفاء وارتفاع أسعار فاحش، كل ذلك إلى جانب استحالة تأمين الشباب لحياتهم من منزل وأثاث، جعل الزواج وإنجاب الأطفال حتى لدى المتزوجين، من المنسيات وباتت الهجرة الهاجس الأكبر للأغلبية.
وكما بات معروفاً وواضحاً، فإن تأمين احتياجات الأطفال، بات عبئاً مادياً كبيراً على الأسرة، بعد أن تضاعفت أسعارها عشرات المرات.
حيث بات على سبيل المثال، شراء فوط الأطفال بالقطعة أو القطعتين ويعاد استخدامها لأكثر من مرة تحت ضغط ضعف الدخل.
والمعاناة الأكبر تتفاقم في تأمين علبة الحليب التي ارتفعت أسعارها إلى أرقام عالية جداً، إلى جانب فقدان الكثير من الأنواع.
كل ذلك، دفع العديد من الأسر لإلغاء فكرة الإنجاب أو تأجيلها، بعد أن باتوا يؤمنون حاجاتهم اليومية الأساسية بشقّ الأنفس.
هذا ما أكدته الدكتورة “ريم الحمد”، والتي قالت بأن “بعض النساء تلجأ إلى تناول حبوب منع الحمل، وإلى الإجهاض كسبيل لتلافي عبء جديد، وتجنّب مسؤولية حياة لا طاقة لهم عليها، وذلك بعد إجراء عملية حسابية بسيطة ليتبيّن أن ضريبة التخلص من الوافد الجديد هي أقل بكثير من كلفة قدومه فيما إذا حصل”، حسب قولها لصحيفة “البعث” الرسمية.
الأمر ذاته، أكده الصيدلاني “أسامة الحناوي”، الذي أشار إلى “ارتفاع نسبة مبيع موانع الحمل في الفترة الماضية نتيجة الأعباء المادية التي تثقل كاهل الأسر، وتدفعها للتخلي عن فكرة الإنجاب في المرحلة الحالية”.
وأضاف الصيدلاني “أن عامل الضغط النفسي الذي أوجدته الظروف الصعبة في نفوس أرباب الأسر، جعل أنفاسهم قصيرة على تكرار تجربة التربية وتحمّل عالم الطفولة “على جماليته” الذي بات مؤرقاً كبيراً لهم في الوقت الراهن”.
بدوره الخبير الاقتصادي “هيثم المصري”، أكد للصحيفة ذاتها، أن “الظروف الاقتصادية التي عصفت وتعصف بالمجتمع السوري أثرت بشكل مباشر في خفض بياني للولادات، وبالتالي الإسهام في الحدّ من حركة المجتمع ونموه البشري”.
وأضاف “المصري”، أن “هذه الظاهرة تشكّل خطورة على المدى المنظور والبعيد وتستحق الوقوف عندها وإيلاءها الاهتمام اللازم كي لا تصيب المجتمع السوري بمقتل”.
وتابع “المصري” “لا نغفل الجهود المركزة التي تبذلها الدولة السورية والتي تستهدف الجوهر الأهم للمشكلة، المتمثل بالجانب الاقتصادي، إلا أنها حتى الآن لم تكن كافية للتخفيف من الأعباء التي تشتدّ وطأتها على الأسرة السورية مع تقلبات الحياة”.
وكان رئيس جمعية المولدين النسائيين في كلية الطب البشري بجامعة دمشق الدكتور “مروان الحلبي”، قال لموقع “أثر برس” المحلي، في 22 كانون الثاني الفائت، إنه قبل عام 2010 كانت نسبة الولادات تصل إلى 550 ألف ولادةً سنوياً.
مشيراً إلى أن هذا الرقم هو آخر إحصائية، من بعد هذا التاريخ فمنذ بداية الحرب لم تجرِ الجمعية أي إحصائية ولا يوجد رقم دقيق.
وأشار إلى أن الناس حالياً تؤجل الحمل والولادة نظراً للظروف الاقتصادية السيئة، وتالياً سفر الشباب وهجرتهم لعب دوراً كبيراً في تقليص عدد الولادات، علاوةً على أن تكاليف الحمل والولادة ومصاريف الأطفال غالية جداً وليس بمقدور الموظف العادي تحملها.
وأكد “الحلبي”، أن عدد الولادات يتناقص إلى النصف بسبب الظروف الحالية، مضيفاً أن بعض العائلات باتت تؤمن بحتمية تنظيم الأسرة جراء التراجع في الأوضاع المعيشية، وكل أب وأم من المتزوجين حديثاً يدركان جيداً أن إنجاب المزيد من الأبناء يجلب إليهما مآسي اقتصادية واجتماعية وسط النظرة التشاؤمية للمستقبل، وعدم وجود أفق حقيقي لكسب المزيد من المال.
اقرأ أيضاً: مع حلول رمضان “الأسعار كاوية والجيوب خاوية”.. ماذا عن تدخل السورية للتجارة؟