هل يمكن أن نصنع الفاسدين والأغبياء ثم نعاقبهم؟!
هل يمكن أن نصنع الفاسدين والأغبياء ثم نعاقبهم؟!
قال “سوفوكليس”: “بالرغم من أن الآلهة ترى كل شيء، إلا أنها قد تتأخر في إنزال العقاب بمن يحيدون عن الطريق القويم ويخطئون”.. ويُقال: الله لم يكن منشغلاً عن يعقوب وإنما كان يصنع من يوسف عزيزاً..
ويقول الشارع هل نحن نسير على منهج الآلهة؟.. هل ندرك أن التردد والتأخر في محاسبة ومعاقبة لصوص وزعران البلد يزيد في ذريتهم وسطوتهم وخرابهم؟..
هل فعلاً لدينا رهط من الفاسدين الخطرين يتمتعون بالقدرة على ارتكاب جرائم كبيرة ليس لها عقاب؟.
هو سؤال يوسوس في أدمغة السوريين: أين نتائج تلك الاجتماعات والتقارير والقرارات والحملات ضد الفساد الذي كلما احتقن الناس، يتم عبر الأبواب الخلفية تسريب أنباء عن حملة “شرسة” ضده لا خطوط حمراء فيها ؟..
أين حصيلة صيد تلك الحملات، أين تلك اللوائح السوداء بأسماء الحيتان والجرذان والفئران والحشرات ممن أنهكوا البلد؟..
لماذا يتم تجاوز القانون ورغبات الشارع والاكتفاء في أفضل الحالات بالإقالة أو الإعفاء أو تسوية الوضع.
وفي ظل إدراك شعبي وبرلماني وحكومي لحجم خطورة الفساد وفي ظل غياب رقم حقيقي عن فاتورته، ما المانع من إنزال أقصى العقوبات عندما يتعلق الأمر بسلامة اقتصاد البلد أو بالأمن المعيشي لمواطن بات يدرك جيداً أن من يُصر على العض على الحصى ينته بكسر كل أسنانه..
لماذا لا يتم التعامل مع هذا الملف بجدية حقيقية مع الأخذ بالاعتبار أن الفاسد فاسد مهما كان أصله وفصله، أن لا أحداً فوق القانون ولا حصانة لفاسد.
وهنا يتساءل البعض هل يمكن لمسؤولين “كبار” أن يعاقبوا مسؤولين أو اشخاصاً هم اختاروهم يوماً ما وتبنوهم ورعوهم وحموهم ودافعوا عن أخطائهم وتجاوزاتهم القانونية حتى ابتلعوا الأخضر واليابس؟..
كيف يمكن أن يحاسبوا ويعاقبوا أدوات باتت تحت أيديهم وتصرفهم ورهن إشارتهم وامتداد لهم بعد مغادرتهم؟..
هل هذا مستحيل أم يمكن التضحية ببعض تلك الأدوات احتيالاً على القانون أو قرباناً له أو لذر الرماد في عيون الناس.
المهم أنه على المعنيين إدراك أن الشارع لا يمكن أن يصدق بعد اليوم الأحاديث الرسمية عن الفساد إلا بعد تحقيقات ومحاكمات عادلة ومن ثم رؤية تلك اللوائح السوداء في وسائل الاعلام وفي كل مكان..
إلا بعد أن يكون هناك رفع حقيقي للحصانة عن الفاسدين مهما كان انتماؤهم ومحاسبتهم أمام القانون عن كل التهم التي تثار حولهم..
إلا بعد إن يلمس تطويراً للإدارة الحكومية وخاصة المالية التي تعتبر موطناً رئيسيا لتهم الفساد..
إلا بعد أن يلمس بالفعل ارتفاع معدلات الشفافية والقدرة على الحصول على المعلومات واتاحة الفرصة لمجتمع يحب أن يكون شريكاً فاعلاً في المحاسبة وإعادة إعمار البلد.
بالمحصلة إن فتح هذا الملف بشفافية بات اليوم أمراً ضروريا ليس فقط لاسترجاع حقوق الدولة وأموالها بل أيضا لتحقيق الردع العام والخاص بما يضمن الجانب الوقائي في هذا المجال..
لأن البلد موجوع ولا يتحمل المزيد من الطعنات و” التخبيص”..
لأن الوضع في بعض المواقع يتدهور بشكل مرعب وينذر بخطر اللاعودة.
بالمحصلة أكثر.. لماذا لا نريد أن نفهم أنه عندما يأمن أي شخص وخاصة الموظف من العقاب سيقع في الفساد..
لماذا لا نريد أن نفهم إنه إنسان سيء ذلك الذي يردعه الخوف من المحاسبة والعقاب..
لماذا لا نريد أن نفهم أنه إذا كان الناس يتصرفون بالشكل الصحيح فقط لأنهم يخشون من الحساب والعقاب فهم كائنات مثيرة للشفقة..
لماذا إذا تعلق الأمر بأخطائنا نؤكد أنّ الله غفور رحيم وإذا تعلق الأمر بأخطاء الآخرين تجاهنا نجزم أنّ الله شديد العقاب.
نضال فضة – كليك نيوز
اقرأ أيضاً: ثقة الشارع بلا رصيد.. من أين تأتي الثقة بالحكومات وبالتجار وبكل من حولنا؟