هل تغلق التصريحات التركية أبواب المصالحة مع دمشق؟
هل تغلق التصريحات التركية أبواب المصالحة مع دمشق؟
التصريحات الأخيرة التي أدلى بها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو برفض أي شروط مسبقة للدخول في مفاوضات مباشرة مع سورية تبدو في ظاهرها أنها تسير عكس الاتجاه، فهل تريد أنقرة التراجع عن مسار المصالحة مع دمشق أم أنها تصريحات انتخابية؟
في التحليل السياسي يمكن التأكيد أن أنقرة قبلت بالشروط أو لنقل بالمعايير والمحددات السورية التي طالبت بها دمشق قبل اجتماع نواب وزراء خارجية الدول الأربع (روسيا وتركيا وسورية وإيران) الذي عقد في الثالث والرابع من الشهر الجاري، فالاجتماع تم تأجيله لمدة أسبوعين بعد رفض سورية عقد اللقاء بدون التوافق على جدول أعمال يركز على سحب القوات التركية من سورية ووقف أنقرة دعم الإرهاب.
منطقياً، لم يعقد اجتماع نواب وزراء الخارجية بدون قبول الجانب التركي بوضع جدول الأعمال وفق الرؤية السورية التي لا ترى فيه دمشق شروطاً مسبقة بل مقدمات ومحددات طبيعية لأي مفاوضات.
لذلك يمكن القول أن مسألة قبول الشروط أو رفضها من الجانب التركي أصبحت وراءنا وتم التوافق عليها، إلا إذا كان الجانب التركي يريد التراجع فعلاً عن مواصلة المفاوضات وهذا أمر غير وارد في ظل إعلان كل من موسكو وأنقرة أن الاجتماع الرباعي لوزراء الخارجية سيكون مطلع شهر أيار القادم.
اقرأ أيضاً: الاجتماع الرباعي يلتئم في موسكو.. مالجديد؟
إذاً ما الهدف من التصريحات الأخيرة التي أدلى بها وزير الخارجية التركي لقناة تركية بأن أنقرة “لن تقبل بأي شروط مسبقة، ولن نقبل بشرط انسحاب قواتنا من أراضي سورية من أجل التفاوض، إذ أننا سنغادر لتبدأ التهديدات ضدنا من جديد “؟.
لا شك أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في أيار القادم هي التي تقف وراء تصريح الوزير أوغلو، والهدف منها إظهار القيادة التركية برئاسة حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان في موقع القوي الذي يرفض أن تملى عليه الشروط من أي جهة كانت، وذلك لكسب أصوات الناخبين الأتراك في تلك الانتخابات التي تشهد استقطاباً سياسياً حاداً تلعب فيه العلاقات السورية التركية دوراً حاسماً.
إذا كان الوضع كذلك، فما سر التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالأمس والذي يتطابق مع تصريح الوزير التركي بأنه من غير المناسب وضع شروط مسبقة عندما سئل عن التحضيرات الجارية لعقد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجية روسيا وتركيا وسورية وإيران؟
نميل إلى الاعتقاد بأن هذا التصريح يأتي في سياق الدعم الذي تبديه موسكو للرئيس أردوغان في الانتخابات المقبلة، والتي تعول على فوز أردوغان في تلك الانتخابات لأسباب تتعلق بالعلاقات الثنائية والموقف من الحرب الروسية الغربية في أوكرانيا وغيرها من الملفات الإقليمية والدولية.
والدليل على ذلك أمرين: الأول أن الوزير لافروف نفسه أعلن في ذات التصريح أنه يجري التشاور للاتفاق على موعد ومكان ومحددات الاجتماع الرباعي ومعايير المباحثات وهذه إشارات واضحة إلى أن الاجتماع المقبل يحتاج إلى محددات ومعايير وهذا ما تطالب به دمشق والتي قالت عنها أنقرة أنها شروط مسبقة.
والأمر الثاني هو أن الوزيرين لافروف وأوغلو عقدا جولة مباحثات في العاشر من الشهر الجاري في العاصمة التركية، وكان ملف المفاوضات السورية – التركية في صلب تلك المباحثات، ولم يصدر من الوزيرين في المؤتمر الصحفي المشترك أية مواقف رافضة لما تطلق عليه أنقرة اليوم “الشروط المسبقة”.
بالرغم من التصريحات الجديدة فإن الاجتماع الرباعي لوزراء الخارجية سوف يعقد بلا شك وإن تأخر أو تأجل موعده، فموسكو الحريصة على جمع الطرفين على طاولة حوار واحدة ترى فيه مصلحة روسية ومصلحة للجانبين السوري والتركي وهي تعمل على تقريب وجهات النظر للخروج بنتائج إيجابية.
يعلم الجميع، في سورية وتركيا وفي موسكو وطهران، أن مسار تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة مسار طويل وشاق بعد 11 عاماً من صراع كانت فيه تركيا رأس حربة ضد الدولة السورية، ولذلك فإنه من الصعوبة بمكان حل جميع الملفات والمسائل الشائكة ومناقشتها في جولة واحدة أو أكثر من المفاوضات”.
لكن إن كانت تركيا فعلاً ليس لديها أطماع في الأراضي السورية وليس لديها أهداف توسعية كما تدّعي، فعليها أن تثبت ذلك فعلياً عبر القبول بوضع جدول زمني لسحب قواتها بالتنسيق مع الدولة السورية وجيشها، ودمشق قادرة على منع التهديدات التي تتحدث عنها تركيا كما كان الوضع قبل عام 2011 وفق الاتفاقات السابقة أو حسب ما يتم الاتفاق عليه مجدداً.
عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز