كل الحروب تؤدي إلى دمشق
كل الحروب تؤدي إلى دمشق
قديماً قالوا.. كل الطرق تؤدي إلى روما، واليوم نستطيع القول أن كل الحروب تؤدي إلى دمشق.
صحيح أن دخان المدافع قد هدأ قليلاً على جبهات القتال في البلاد، لكن سورية تبقى بمثابة قطب الرحى في الحروب الساخنة التي يعيشها العالم اليوم، وهي الساحة الأسخن لتبادل الرسائل بالنار بين القوى العالمية المتصارعة.
عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا في شباط 2022 توقع العديد من المحللين أن تنسحب الولايات المتحدة من سورية في إطار سياسة الانسحاب من الشرق الأوسط التي بدأتها من أفغانستان إلى مناطق صراع جديدة تعتبرها واشنطن ذات أولويات كبرى للإستراتيجية الأمريكية ولاسيما على الحدود الروسية وفي المحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبي حيث المواجهة المتوقعة مع الصين.
لكن الذي حصل أن الولايات المتحدة عززت حضورها العسكري الاحتلالي في الجزيرة السورية والتنف وشددت حصارها الاقتصادي ضد سورية ومنعت الانفتاح العربي والدولي على دمشق، في محاولة منها لتكريس الوضع الراهن ورفع منسوب حرب الإنهاك التي لجأت إليها واشنطن بعدما فشلت مجموعاتها الإرهابية في تحقيق الإطاحة العسكرية بالحكومة السورية.
اقرأ أيضاً: من يجلب “إسرائيل” إلى المحكمة الجنائية؟
ومع اندلاع عملية طوفان الأقصى في قطاع غزة في السابع من تشرين أول الماضي وشن سلطات الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني في القطاع وتكبد جيش الاحتلال هزيمة كبرى على يد المقاومة الفلسطينية، عمد كيان الاحتلال إلى تكثيف اعتداءاته على مطاري حلب ودمشق الدوليين بهدف إخراجهما من الخدمة بشكل دائم تحت عناوين زائفة والتغطية على الضربة الموجعة التي تلقاها جيش الاحتلال على تخوم قطاع غزة.
تركيا هي الأخرى استغلت انشغال العالم بحرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة ووسعت عدوانها على شمال الجزيرة السورية، وضربت البنى النفطية والتحتية في أرياف الحسكة والقامشلي، وكذلك كثفت عمليات التغيير الديموغرافي في شمال حلب، وتخلّت، كلّياً كما يبدو، عن مسار المصالحة مع دمشق بعدما فاز أردوغان في الانتخابات الرئاسية قبل أشهر.
اقتصادياً، لا تكاد تنشأ حرب أو مشكلة عالمية حتى تبدأ تداعياتها السلبية بالظهور على الوضع الاقتصادي السوري الهش حتى ولو كانت بعيدة آلاف الأميال، فتجارنا شاطرون في ربط المشاكل العالمية وحتى التغير المناخي وحرب النجوم بتفاصيل حياتنا الاقتصادية، وبالتالي كان للحرب الروسية في أوكرانيا أثراً كارثياً على الوضع الاقتصادي في سورية، فحلّقت الأسعار وتدنّت مستويات المعيشة، وازداد الفقر واتسعت الفجوة بين المداخيل والاحتياجات الأساسية للأٍسر السورية.
ولم تكن الحرب على غزة أقل تأثيراً على الوضع في سورية، فمساعدات الأمم المتحدة للسوريين في الداخل والخارج بدأت تتلاشى وتذهب إلى مناطق الصراع الجديدة في غزة وقبلها في أوكرانيا، ولم يعد العالم يهتم بوضع السوريين سوى بالحد الذي يحققه من مكاسب سياسية.
اقرأ أيضاً: واشنطن تحرك الإرهاب للتخفيف عن “إسرائيل”
توقع الكثيرون أن تحمل عودة سورية إلى الجامعة العربية في أيار 2023 انفتاحاً عربياً سياسياً واقتصادياً يسهم في تخفيف وطأة الضغوط الاقتصادية والبدء بتعافي البلد من تداعيات الحرب والحصار الاقتصادي، لكن ذلك لم يحصل، بل على العكس ازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءاً.
ومع الزيارة الرئاسية إلى الصين أيلول الماضي عادت بوادر الأمل لدى السوريين بأن اتفاق الشراكة الإستراتيجية مع العملاق الاقتصادي قد يكون مدخلاً كبيراً لترميم الوضع الاقتصادي المتهالك في البلاد وبدء مسار التعافي وإعادة البناء والإعمار، لكن يبدو أيضاً أن هذا المسار سيكون بعيد المدى ولن يكون له نتائج سريعة يتوق إليها الشعب السوري المنكوب بالحرب والزلزال.
إذاً، الحرب في أوكرانيا وفي قطاع غزة، مرتبطة إلى حد كبير بالحرب على سورية، ولهذا بقيت حصة السوريين من الحرب عالية وازدادت المعاناة مع إصرار الولايات المتحدة ودول محور العدوان على تكريس الأمر الواقع على السوريين ومنع التعافي الاقتصادي عبر ممارسة حرب الإنهاك التي تقوم على استنزاف موارد الدولة بالحرب والإرهاب والحصار.
إذا كانت الحروب الأخرى تنعكس سلباً على الوضع في سورية، فهل تجلب الحلول للحرب الأوكرانية التي بدأ الغرب يتحدث عن وصولها إلى طريق مسدود، هل تجلب حلولاً للحرب في سورية؟ وهل تستطيع الحلول التي يجري العمل عليها حيال الحرب على غزة أن تفيد في حلحلة الأوضاع في سورية؟
من الصعب توقع حلول خارجية قريبة للحرب في سورية، لذلك وفي ظل هذا الواقع المؤلم والضريبة الوازنة التي تدفعها دمشق جراء حروب الآخرين، ينبغي على السوريين عدم انتظار الفرج من خارج البلاد والعمل على استنباط الحلول من رحم المعاناة، والاعتماد على الموارد الذاتية للبلاد واستعادة المنهوب منها في الجزيرة السورية.
اليوم لا بديل للسوريين عن تطوير مواردهم الذاتية واستثمار طاقات البلاد البشرية والاقتصادية بعيداً عن السياسات المعتادة، لا بديل لهم عن المقاومة الشعبية المدعومة من الجيش العربي السوري لإنزال أشد الخسائر بالقوى الإحتلالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لإجبارها على الانسحاب من الأراضي السورية.
فطالما أن كل الحروب تقود إلى دمشق وتؤدي إلى تفاقم أوضاع السوريين، فإن كل الإجراءات التي تتخذها الحكومة السورية يجب أن تصب في مواجهة هذه الحروب وتداعياتها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
لقد أثبتت الأيام والتجارب أن لا حل يأتي على طبق من ذهب، فضريبة الدماء التي دفعها السوريون حتى اليوم تستدعي منهم التكاتف لمواجهة القوى الإحتلالية والعمل معاً لإعادة بناء وطنهم مما لحق به من دمار وخراب على مدى السنوات الماضية.
عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع