اقتصاد

خبيرة اقتصادية: وفورات رفع الدعم تقارب موازنة 2023 بأكملها

خبيرة اقتصادية: وفورات رفع الدعم تقارب موازنة 2023 بأكملها

 

لا تزال القرارات الأخيرة التي أصدرتها الحكومة قبل أيام، تشغل بال الشارع السوري وخبراء الاقتصاد، الذين طرحوا عشرات الحقائق حول الدعم وحجة إيصاله إلى مستحقيه.

وفي هذا السياق، أشارت الأكاديمية والباحثة الاقتصادية الدكتورة “رشا سيروب”، إلى أن تلك القرارات شكّلت صدمة للمواطنين، بسبب الكمّ الهائل من السلع الأساسية التي رُفع عنها الدعم والتي تمس حياتهم بشكل مباشر، مؤكدة أنها السبب الرئيس خلف تفاقم مشكلة التضخم، والذي سجل نسبة 238% في شهر آب الحالي مقارنة بالعام الماضي 2022.

وقالت “سيروب” لصحيفة “قاسيون”، إن أي زيادة تقل عن 500% لا يمكن أن نصنفها كزيادة حقيقية، وكان من المفترض أن تكون زيادة الرواتب -على أقل تقدير- حوالي 250%.

وأشارت إلى أن الزيادة الحقيقية تجري عندما يصبح الدخل الذي يحصل عليه الموظف قادر على تأمين مقدار أكبر من السلع والخدمات التي يحصل عليها.

ولفتت “سيروب”، إلى أن الزيادة في الأجور طالت فقط العاملين في القطاع العام، أما زيادة الأسعار فقط طالت جميع المواطنين دون استثناء سواء الذين يعملون أو العاطلين عن العمل، مشيرة إلى أن ارتفاع الأسعار تجاوز 200% لبعض السلع الأساسية، مثل مازوت التدفئة والنقل.

وقالت “سيروب” إن الإيرادات التي ستدخل إلى الموازنة العامة خلال الشهور المتبقية من السنة المالية الحالية تقارب 6 تريليون ل.س “5.7 تريليون ل.س”، وهو أكبر من رقم عجز الموازنة، الذي يتخذ ذريعة لرفع الأسعار، عن العام كاملاً “4.8 تريليون ل.س”.

وأمام هذه الإيرادات، بحسب “سيروب”، هناك زيادة في الإنفاق على الرواتب والأجور عن الأربعة أشهر المتبقية والتي لن تتجاوز 1.5 تريليون ليرة سورية، أي أن الحكومة ستحقق زيادة في الإيرادات تعادل أربعة أمثال ما ستنفقه من زيادة على الرواتب والأجور منذ تاريخ صدور القرار لغاية نهاية العام الجاري.

وأضافت الخبيرة الاقتصادية، باعتبار أن وزير المالية صرح بأن التكلفة السنوية المقدرة للزيادة في الرواتب والأجور ستكون بحدود 4 تريليون ل. س، سنجد أن الزيادة في الإيرادات السنوية الناتجة فقط عن رفع سعري البنزين والمازوت (غير متضمنة سعر الغاز الدوكما أو الفيول) ستكون بحدود 15.5 تريليون ل. س، أي تشكل أكثر من 93% من إجمالي الموازنة وثلاثة أضعاف العجز المقدر.

وتابعت “سيروب” لدينا حوالي 7.5 مليون ليتر مازوت يومياً يتم بيعهم بالسعر الصناعي أو التجاري أو الحر، ولنفترض السعر الأقل وهو سعر المازوت الصناعي الذي أصبح 8000 ل.س/ ليتر، وليس السعر الحر الذي وصل إلى 11,550 ل.س، وبهذه الجزئية وحدها ثمة فرق يصل بأقل الحسابات إلى 7.1 ترليون ليرة سورية.

أما البنزين، بحسب “سيروب”، فالدولة كانت تسعره بحسب الموازنة بـ 2500 ل.س/ ليتر وارتفع ليصبح 8000 ل.س/ ليتر، وبتقدير استهلاك وسائل النقل من مادة البنزين بناء على أعداد السيارات والدراجات النارية في سورية عام 2021 (وهو آخر رقم متاح)، يصل رقم الوفر إلى 3.4 ترليون ليرة بالنسبة للبنزين أوكتان 90، وإلى 3.7 ترليون ليرة بالنسبة للأوكتان 95.

وأضافت، هذا يعني أن إجمالي الوفر الناتج عن رفع سعر مادتين فقط “هما المازوت والبنزين”، وبأقل التقديرات، يصل إلى ما يقارب 15.4 ترليون ليرة سورية، وهو ما يقارب فعلياً حجم “كامل الإنفاق” المعتمد في موازنة العام 2023، في مقابل 4 ترليون فقط سيتم ضخها لزيادة الأجور والتي ذكرها وزير المالية.

اقرأ أيضاً: خبراء اقتصاديين يوصفون الواقع الاقتصادي بعد الزيادة.. دعوات لإعلان حالة طوارئ اقتصادية

وتابعت “سيروب”، هذه الأرقام توضح حجم الإيرادات الهائلة التي ستحصل عليها الخزانة العامة للدولة، ولهذا، فأرقام الدعم التي تعلنها الحكومة غير منطقية، ومشكوك بها، حيث يبلغ إجمالي اعتمادات الموازنة 16.550 تريليون ل.س لعام 2023، فضلاً عن أنها مخالفة للدستور، والذي ينص على أنه “لا يجوز زيادة أي نفقة عامة إذا لم يرصد لها اعتمادات ضمن الموازنة العامة للدولة أو صدور قانون خاص بهذه النفقات مثل مرسوم زيادة الرواتب”.

وأضافت، وفقاً للموازنة فإن الاعتمادات المخصصة لدعم المشتقات النفطية هي فقط 3 تريليون ل.س، و1.5 تريليون ل.س بما يخص دعم الدقيق التمويني، لكن تصريحات وزير النفط والتجارة الداخلية تشير إلى خلاف هذه الأرقام، حيث أوضحا أن تكلفة دعم المشتقات النفطية هي 17 تريليون ل.س، في حين أن تكلفة دعم الخبز حوالي 6 تريليون ل.س.

وتابعت الخبيرة الاقتصادية، ما زالت الحكومة تتعامل مع ملف الدعم وكأنه نفقة مالية يرهق كاهلها ويزيد عجز الموازنة؟ مشيرة إلى أن عجز الموازنة يعني أن الإيرادات العامة أقل من النفقات العامة.

وأضافت “سيروب” أن حجم التهرب الضريبي وتكلفة الفساد والهدر في الأموال العامة فضلاً عن عدم الكفاءة في الإنفاق العام (على سبيل المثال لم يتم تخفيض مخصصات السيارات الحكومية)، هذه النقاط كفيلة بتحقيق الوفر في الموازنة العامة للدولة وعلاج كافة إشكاليات جودة الخدمات العامة.

وقالت، لا يجوز النظر إلى الدعم على أنه نفقة مالية فقط، الدعم سياسة اجتماعية واجبة على الدولة عندما تكون غير قادرة على تأمين مستوى دخل يحقق حياة كريمة لمواطنيها، مشيرة إلى أنه يجب ضبط آليات الدعم كي يتم ضمان وصولها للمستحقين.

وقالت “سيروب” إن لم تكن الحكومة قادرة على ضبط الآليات فهذا اعتراف صريح بأنها غير قادرة على لعب دورها في ضبط العمل التنفيذي، مشيرة إلى أن المشكلة لدينا أن الدولة تنظر إلى السلع كلها وكأن الموضوع محصور في نطاق “عرض وطلب وأسعار”، وتتعامل بمنطق الربح.

وأكدت” سيروب”، أن الحكومات المتعاقبة منذ عام 2000 حتى تاريخه تمارس النهج نفسه، وهو انسحاب الدولة من لعب دورها في الشأن الاقتصادي الاجتماعي، في الوقت الذي لا يوجد ولم يهيأ قطاع خاص ناضج قادر على ردم الفجوة من الأنشطة التي انسحبت منها الدولة.

اقرأ أيضاً: قرارات حماية المستهلك “تبتلع الزيادة”.. ماذا يشتري الراتب اليوم؟

ولفتت إلى أن هذا النهج متخذ فعلياً منذ إقرار تحويل الاقتصاد نحو “اقتصاد السوق الاجتماعي” في 2005، وتضخيم أرقام الدعم المعلنة هو ذريعة لممارسة المزيد من انسحاب الدولة عن استحقاقاتها الاقتصادية والاجتماعية، بما يتناسب تماماً مع إملاءات المؤسسات الدولية كصندوق النقد والبنك والدولي.

وأشارت “سيروب”، إلى أنه يمكن تمويل زيادات الأجور في سورية دون إحداث تضخم، من خلال الأموال العامة المهدورة، عبر التهرب الضريبي والفساد وعدم الاستثمار الأمثل لأملاك الدولة الخاصة.

وحذرت الخبيرة الاقتصادية، من أن الاقتصاد السوري يتجه في ظل السياسات الحالية نحو الهاوية، مضيفة، كل ما يحدث يدلّ على أن الحكومة لم تعد قادرة على وضع سياسة مستقرة حتى لسنة واحدة، مشيرة إلى أن الأمل بتحسن الواقع، مشروط بوجود نية وإرادة حقيقية.

وحول ذريعة المسؤولين بأن العقوبات هي السبب بتدهور الاقتصاد، قالت “سيروب” إن الحكومات المتعاقبة تعرف أن هناك حرب وهناك عقوبات، لم تتفاجأ بالواقع، وبالتالي لا يمكن القبول بأي سبب لتبرير تدهور الواقع الاقتصادي والمعاشي للمواطن بذريعة الحرب.

وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، رفعت قبل أيام، أسعار المشتقات النفطية المازوت والبنزين والفيول والغاز السائل.

ووفق القرارات، أصبح سعر مادة المازوت للمخابز التموينية الخاصة 700 ليرة سورية للتر الواحد، فيما أصبح سعر مادة المازوت المدعوم للمستهلك 2000 ليرة سورية للتر الواحد.

كما أصبح سعر مبيع مادة المازوت الصناعي المقدم لكل من “الزراعة خارج المخصصات المدعومة والصناعات الزراعية والمشافي الخاصة ومعامل الأدوية” 8000 ليرة سورية للتر الواحد.

وأصبح سعر مبيع مادة البنزين الأوكتان 90 المدعوم 8000 ليرة سورية للتر الواحد، فيما وتم تحديد سعر مبيع مادة البنزين الممتاز الأوكتان 95 بـ 13500 ليرة سورية للتر الواحد.

كما حددت الوزارة سعر مبيع المواد المذكورة الموزعة للقطاع الصناعي والقطاعات الأخرى وهي: المازوت الحر بسعر 11550 ليرة سورية للتر الواحد والفيول بسعر 7887500 ليرة سورية للطن الواحد والغاز السائل دوكما بسعر 9372500 ليرة سورية للطن الواحد.

كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى