“حسب الإمكانات المتاحة”
“حسب الإمكانات المتاحة”
هي عبارة لا يكاد تصريح لمسؤول في السلطة التنفيذية يخلو منها منذ عشر سنوات ونيف، يحفظها المسؤولون القدامى منهم والجدد، وتحفر في ذهن المواطن إيحاءات من نوع “دبّر راسك”.
في كل اجتماع يخرج علينا المسؤول أنه جاء ليستمع إلى هموم ومشاكل المواطن، وبعد أن يستمع يعد بحل المشكلات “حسب الإمكانات المتاحة”.
اجتماع وزير الزراعة محمد حسان قطنا مع “الأسرة الزراعية” في محافظتي طرطوس واللاذقية ومع مزارعي الزيتون لم يخرج عن القاعدة، ويبدو أن تفكير المسؤول ما يزال في واد والمواطن في واد آخر، فما نقلته وسائل الإعلام الرسمية والمكاتب الإعلامية للمحافظة عما دار في الحوار يوحي بأننا مازلنا نصل متأخرين، إن وصلنا.
الأرقام التي صرح بها وزير الزراعة عن حجم إنتاج الزيتون الجيد في سورية هذا العام (820 ألف طن) وحصة محافظتي طرطوس واللاذقية المرتفعة (40%) من الإنتاج (156 ألف طن زيتون و25 ألف طن زيت في طرطوس و210 آلاف طن زيتون و40 ألف طن زيت في اللاذقية).
كان يمكن أن تتضاعف لو أن الوزارة سمعت صراخ الفلاحين في بداية موسم الفلاحة بضرورة تأمين المحروقات المدعومة لفلاحة الأرض وتوفير السماد والمبيدات الحشرية لأشجار الزيتون.
أن تقول وزارة الزراعة أن محافظة طرطوس مثلاً فيها 11 مليون شجرة زيتون في مساحة 75 ألف هكتار (نحو 40% من مساحة المحافظة).
وكذلك بالنسبة لمحافظة اللاذقية التي تقول إحصاءات الوزارة أن المساحة المزروعة حوالي 44 ألف هكتار، فيها قرابة 11 مليون شجرة زيتون، يحتم عليها أن تجعل هذا الموسم أولوية للوزارة في هذه المحافظة إلى جانب الحمضيات التي تلفظ أنفاسها بسبب غياب مياه الري نتيجة انقطاع الكهرباء لفترات طويلة.
لكن الذي حصل أن الوزارة تأخرت في معالجة مشاكل زراعة الزيتون، واليوم تأتي للحديث عن تنظيم عمليات قطاف الموسم للحصول على إنتاج عالي الجودة قادر على المنافسة في الأسواق الخارجية، إضافةً إلى التعريف بدليل المعاصر الذي أصدرته وزارة الزراعة بالتنسيق مع وزارة الصناعة لإخضاع المعاصر لعصر الزيتون وفق الشروط الفنية المعتمدة.
الوزارة تعلم أن مزارعي الزيتون في سورية ليسوا طارئين على هذه الزراعة وعلى القطاف والعصر والمنافسة، فسورية كانت عام 2006 تتربع على المركز الرابع عالمياً بإنتاج ما يزيد عن 1 مليون طن زيتون!!.
لذلك ونحن اليوم في أحوج ما نكون في ظل الحرب والحصار إلى مضاعفة الإنتاج، على وزارة الزراعة التحرك لتأمين احتياجات الزراعة من سماد ومبيدات ووقود ومياه للري بأسعار مدعومة بعيداً عن الحديث النظري كي يتحسن الإنتاج أولاً وبالتوازي يمكن وضع معايير تساعد على تحسين جودة الإنتاج.
فشكاوى المزارعين وأصحاب المعاصر كانت تتحدث عن مطالب محددة بضرورة تأمين المحروقات اللازمة لعملهم ومعالجة انقطاع الكهرباء والمياه وتأمين السماد والمحروقات اللازمة للفلاحة والنقل، لكن الردود الرسمية جاءت على نمط “حل كافة العقبات التي يمكن حلها”
وتزويد المعاصر بالمازوت “وفق المتوفر” وإعطاء مستلزمات موسم الزيتون الأولوية في الفترة المقبلة ومتابعة المواضيع المطروحة “ضمن الإمكانيات المتاحة”.
اقرأ أيضاً: أفكار ليست متخصصة..!!
الموسم الزراعي للعام 2023 يحتاج إلى أكثر من مليون ونصف المليون طن من السماد منها 722 ألف طن من سماد اليوريا و511 ألف طناً من سوبر فوسفات و373 ألف طن سلفات البوتاس، ونحو 384 مليون لتر من المازوت بحسب تقديرات وزارة الزراعة.
فهل ستقوم الوزارة بتأمينها للمزارعين بأسعار مدعومة أم ستخضع لمبدأ “الإمكانات المتاحة” الذي تخلى عن المزارعين في ذروة احتياجاتهم للموسم الحالي؟
عبارة “حسب الإمكانات المتاحة” ستبقى الشماعة التي يتكئ عليها المقصرون في القيام بمسؤولياتهم، فالكهرباء متاحة للمنشآت السياحية وهي خارج التقنين، ولكنها “غير متاحة” لمحطات ضخ المياه التي تشكل مصادر الشرب للمواطن وللزراعة وكذلك تأمين السماد في وقته لأشجار الزيتون والمبيدات كان “خارج الإمكانات المتاحة”، فهل سيظل كذلك وسط حديث عن دعم الإنتاج والزراعة؟.
عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز
اقرأ أيضاً: اللعب بالنار وحرب المطارات