جيل الحرب.. أي ذاكرة تكونت؟
جيل الحرب.. أي ذاكرة تكونت؟
عندما نتحدث عن 11 عاماً من حرب إرهابية شنت على سورية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبعض أدواتها الإقليمية والإرهابية تتوارد في أذهاننا جميعاً صور الحرب وتداعياتها الأمنية والحياتية وصور الدمار الذي أحدثته في معظم المدن السورية، ويتحسر أبناء الجيل الذي عاش شبابه قبل الحرب على أيامٍ كانت فيها سورية بلد الأمن والأمان والاكتفاء الذاتي، البلد الذي قضى تقريباً على الأمية والفقر والأوبئة.
لكن اليوم إذا ما سألنا شاب في مقتبل العمر عما تكتنزه ذاكرته عن وطنه الذي يدرس عنه في كتب التاريخ والجغرافيا ويسمع عنه من حكايا الأهل، ماذا سيكون الجواب؟ لا نستغرب أن تكون ذاكرة الشباب الذين ولدوا أو اكتمل وعيهم في زمن عمر الحرب الإرهابية، عبارة عن أصوات الرصاص والسيارات المفخخة والقنابل وصور من دمار طال مدنا كثيرة، أو ذكرى بيوت تحولت إلى أنقاض وربما أهل وأصحاب أصبحوا شهداء أو مصابين.
كلمة الحرب لوحدها تثير الهلع، فهي رصاص وصواريخ، وليس فيها مكان للورود إلا أكاليل تزين نعوش الشهداء الأبطال، الذين ضحوا دفاعاً عن الوطن، كي يبقى وطناً تعيش فيه الأجيال القادمة وليس مكاناً للظلامية الإرهابية الداعشية التي لو قدر لها الفوز في هذه الحرب لكان السواد هو عنوان الحياة اليوم.
قد لا يوجد بيت في سورية لم يتأثر بتداعيات الحرب، وذاكرة السوريين تضج بصور من نوع الأب الشهيد أو الأم الشهيدة أو الأخ المفقود، ومنهم الصديق الذي ارتقى على مقاعد الدراسة وصبغ دمه الأحمر الدفاتر وعلب التلوين في تفجير استهدف بوابة مدرسة عكرمة المخزومي في حمص قبيل قرع جرس الانصراف، وكم من مدرسة تشبه عكرمة المخزومي، وكم من طالب وتلميذ بكاه زملاؤه بعد مفخخة فجرها إرهابي انتحاري مدفوع من دول الناتو؟
جيل الحرب ربما لم يعرف طعم الأمان بعد، ولا ميزة توفر الكهرباء بشكل دائم، ولا الوفرة الاقتصادية التي كنا ننعم بها من قبل، فالحصار الاقتصادي الخبيث فرض أنماطاً حياتية قاسية تكاد تكون مستحيلة، فرض صور الطوابير المقيتة التي تلقفتها الصحافة الغربية كدليل على أثر الحصار الذي لم يستطع أن يفرض على السوريين بكل أجيالهم الاستسلام والخضوع.. ولهم في جيشهم قدوة حسنة.
لكن ليست هذه الصور وحدها هي التي تكرسّت في أذهان جيل الحرب، بل هناك صور لها قدسيتها، عن أب أو أخ ارتقى شهيداً بطلاً مدافعاً عن وطنه، مكرساً لدى الجيل قيم التضحية والفداء، عن أم قدمت أبناءها الخمسة دفاعاً عن وطن نحيا فيه اليوم، عن أمٍ وزوجةٍ حملت في نعش شهيدها وزغردت، عن صمود شعب فاق التوقعات، قاوم الإرهاب والحصار ولم يخضع أو يتنازل لغرب متوحش أفلت كل وحوشه على سورية.
ماذا سيروي ابن حلب ودير الزور الذي حوصر سنوات من جحافل الإرهاب عن قصة حصاره وصموده؟ ماذا عن صور القذائف المتساقطة يومياً على الأحياء السكنية تحصد أرواح الأبرياء أطفالاً وكباراً رجالاً ونساء؟ صورة تكررت بلا شك لدى جيل الحرب في أغلب المحافظات، لكن صورة النهاية هي ذاكرة صمود وتضحية، فنصر وانتصار.. انتصار إرادة شعب آمن بالوطن وبالدفاع عنه.
ذاكرة رسخت في العقول من هو العدو الحقيقي للشعب السوري القريب والبعيد، ومن هو الصديق الذي وقف معه في محنته وشاركه دفع الضريبة والثمن والصمود، ذاكرة لن تمحى أو تزال بسهولة، فهي نقش في حجر صوان.
قد لا يكون مناسباً لرجل في الخمسين من العمر أن يكتب عن ذاكرة الشباب في عمر الحرب، وربما من الأفضل أن نسمع صوت الشباب يتحدثون عن ذاكرة الحرب لديهم، فهم الأقدر على التعبير عن ذاكرتهم التي ندعي معرفتها.
ذاكرة الحرب لم تكتمل بعد، فما يزال الإرهاب يسيطر على إدلب، والنظام التركي يحتل مناطق في الشمال، والأمريكي يحتل جزيرتنا الخضراء عبر أدواته من ميليشيا “قسد”، والحرب الاقتصادية هي الأخرى على أشدها، وما زلنا نخوض حربنا المقدسة دفاعاً عن وطننا رغم مرور 11 سنة من عمرها ومن عمر السوريين، ونأمل أن تكون نهايتها قريبة ليستعيد جيل الحرب عافيته والحياة الطبيعية التي ينشدها كل إنسان.
عبد الرحيم أحمد