الصمود.. حقيقة أم شعار؟
الصمود.. حقيقة أم شعار؟
يتردد الكثير منا هذه الأيام في الحديث أو الكتابة عن “الصمود السوري” في ظل الظروف القاسية التي نعيشها اليوم والتي قد تكون الأصعب معيشياً على السوريين منذ بدء الحرب الإرهابية والاقتصادية عليهم، لكنها ليست الأقسى ميدانياً وعسكرياً عندما كانت المدن السورية محاصرة وقوافل الشهداء لا تتوقف في معظم المحافظات على مدى أعوام 2012 ولغاية 2018 وما تزال وإن كان بوتيرة أقل مع هدوء الجبهات.
فما تكاد عبارة “الصمود” ترد على لسان أحد المسؤولين أو الكتاب حتى تبدأ سهام “الشعاراتية” و“اللغة الخشبية” تنهال عليه من المتصيدين والمستثمرين بعذابات السوريين أولاً، ومن شريحة واسعة من المواطنين الذين انقطع الأمل لديهم بانتهاء معاناتهم اليومية التي تزداد ثقلاً وقهراً أمام أعباء الحياة، وكأنه ارتكب إحدى الكبائر.
لا شك أن الضغط المعيشي المتفاقم الذي يعانيه السوريون اليوم، في كل بيت تقريباً، وانعدام قدرتهم على تأمين احتياجاتهم الغذائية والدوائية وساعات انتظارهم الطويلة على الطرقات للوصول إلى أعمالهم، وغياب المحروقات عن منازلهم مع بدء برد الشتاء، تكاد تخنقهم وسط غياب الأمل بحلول قريبة لمأساتهم التي قاربت عامها الثاني عشر بمفاعيل قسرية قهرية شلّت قدرتهم على الفعل والتأثير بمجريات حياتهم ويومياتهم.
لكن إن لم تكن مواجهة ذلك صموداً، فما الذي يفعله السوريون منذ أحد عشر عاماً ونيف؟ أليس هو “الصمود” بعينه؟ ثم ماذا يمكن أن نصف موقف امرأة تستقبل شهيدها بالزغاريد وتحمل في نعش ابنها شامخة فخورة بشهادته؟ أليست البطولة والصمود في أبهى صوره؟ وماذا عن العائلات الكثيرة التي فقدت بيوتها وتلك التي قدمت أكثر من شهيد بين أب وأخ أو ابن وماتزال صامدة تواجه ظروف الحياة الصعبة والقاسية التي فرضها غياب الأحبة؟
ما الذي جعل حامية مطار كويرس تتحدى الحصار الإرهابي على المطار لسنوات سوى الصمود الأسطوري لتلك الحامية؟ ومن الذي كسر حصار الإرهابيين عن دير الزور وحلب سوى صبر السوريين وتضحيات جيشهم؟
لكن السوريين محقون أيضاً في رفضهم إلقاء الدروس عليهم في “الصمود” أو دعوتهم للصمود في مواجهة ما تتعرض له بلدهم وما يتعرضون له يومياً، فهم الصمود بذاته يمارسونه مع أنفاسهم ودقات قلوبهم التي ترفض التوقف.
ويحق لهم أن يضجروا ممن يطلبون منهم “الصمود” وتحمل أوجاع “القلة والبرد” وهم يتنعمون بكل ما تجود به الأرض السورية وغير السورية.. يحق لهم أن يعترضوا على حالة التيئيس التي تعيشها المؤسسات والوزارات التي تتذرع بالحرب والحصار لفعل لا شيء، وأن يعترضوا على حالة العجز التي تبديها الحكومة في معالجة الأزمات المعيشية التي تتفاقم في البلاد، وهم الذين واجهوا بدمائهم ودماء أبنائهم قطعان الإرهاب العالمي ولم يترددوا لحظة واحدة عن المواجهة ميدانياً وصناعياً وزراعياً.
لكن بالمقابل، يحق لنا أن نتغنى بصمود السوريين الذين قال عنهم السيناتور الأمريكي “ريتشارد بلاك” أنهم استطاعوا أن يواجهوا “ثلثي القوة العسكرية العالمية“، وأنّ الحرب الاقتصادية والحصار هي مرحلة ثانية من الحرب الأمريكية عليهم لتجويعهم وتركيعهم وكسر إرادتهم وإضعاف “صمودهم“.
فهل يتخلى السوري اليوم عن “صموده” الذي بفضله بقي الوطن وتحرر القسم الأكبر منه من سطوة الإرهاب؟
في الحقيقة كل ما يفعله السوريون اليوم هو “صمود وتحدي” صبرهم على ارتفاع الأسعار وقلة ذات اليد، غياب الكهرباء والمحروقات وتحديهم للبرد، مواصلة القيام بواجباتهم تجاه وطنهم رغم الصعوبات، والأهم من ذلك كله صمود الجنود والضباط على الجبهات في مواجهة الإرهابيين ورعاتهم.
ليس مقبولاً اليوم القول، “ليس بالإمكان أفضل مما كان“، وليس مقبولاً التذرع بالحصار والحرب وضعف الإمكانات لترك الأزمات تتوالد وتتكاثر، بل على الحكومة ووزاراتها أن تجد الحلول التي تخفف معاناة السوريين وتساعدهم على الصمود، وإلا فإن كل التضحيات التي قدمناها وكل الصبر والصمود الذي سطرناه سوف يضمحل ويتلاشى.
عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز
اقرأ أيضاً: ستة أعوام من التحرير.. حلب تصنع مجدها