السعودية.. سورية تحول حقيقي أم خطوة تكتيكية؟
السعودية.. سورية تحول حقيقي أم خطوة تكتيكية؟
في الوقت الذي كان الجميع مشغولاً بتحليل التصريحات الصادرة عن وزير الخارجية السعودي “فيصل بن فرحان” في مؤتمر ميونيخ مؤخراً والتي جددها في مقابلة مع قناة “العربية” أول أمس بأن هناك إجماع خليجي وعربي على ضرورة تغيير النهج مع سورية وبدء حوار مع الحكومة السورية، جاءت المفاجأة من العاصمة الصينية بكين بإعلان اتفاق سعودي – إيراني لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
الأسئلة التي كانت تفرض نفسها قبل أسابيع هل هناك تحول حقيقي في الموقف السعودي من الأزمة السورية؟
وهل الموقف السعودي المستجد يتشكل بعيداً عن الوصاية الأمريكية التي فرضتها واشنطن على الرياض طيلة العقود الماضية؟ أصبحت من الماضي، فالتحول السعودي واضح ليس مع سورية فقط بل مع منافستها وغريمتها الإقليمية طهران.
لقد كانت السعودية من أشد المنتقدين لسورية على خلفية علاقاتها الإستراتيجية مع طهران، لكن الاتفاق السعودي الإيراني الذي شكل صدمة إيجابية لجميع الأطراف الإقليمية والدولية باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية وكيان الاحتلال الإسرائيلي، يفتح الطريق واسعاً أمام إعادة التموضع السعودي فيما يخص سورية ويمهد الطريق لإعادة العلاقات الطبيعية بين بلدين عربيين شقيقين تجمع بينهما مصالح مشتركة لا يمكن لخلافات سياسية أن تمحوها مهما اشتدت أو امتدت.
تصريح الوزير السعودي بأنه “لا بد أن نجد مقاربة جديدة في سورية، وهذا سيتطلب لا محالة حواراً مع الحكومة في دمشق”، وأن “السعودية والدول العربية تعمل على الصياغات المناسبة بالتشاور مع شركائنا من المجتمع الدولي” يكشف عن عمل منظم يجري وراء الكواليس وقد يتم الإعلان عن نتائجه قريباً وبشكل مفاجئ أيضاً بنفس الطريقة التي أُعلن فيها عن الاتفاق السعودي الإيراني.
لقد كان لافتاً اللغة الودية التي اتسمت بها تصريحات المسؤولين الإيرانيين والسعوديين بعد توقيع الاتفاق، إذ أكد وزير الخارجية السعودي أن استئناف بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إيران يأتي انطلاقا من رؤيتها القائمة على تفضيل الحلول السياسية والحوار وحرصها على تكريس ذلك لأن ما يجمع دول المنطقة مصير واحد وقواسم مشتركة.”
فيما وصفت طهران الاتفاق بأنه سيسهم بتأمين المصالح المشتركة للشعبين الإيراني والسعودي، وعلق وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان” على الاتفاق بأنه نتيجة “سياسة حسن الجوار التي تنتهجها حكومة إبراهيم رئيسي والتي تسير في الاتجاه الصحيح.
فيما رأي أمين مجلس الأمن القومي الإيراني “علي شمخاني” الذي وقع الاتفاق عن طهران بأن بلاده تأمل بأن “يخلق هذا الاتفاق توازناً في سلوك القوى الأجنبية بالمنطقة”.
ما يعزز مؤشرات التفاؤل بنجاح الخطوات السعودية تجاه كل من سورية وإيران هو الانفتاح العربي المتسارع بعد كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب شمال غرب البلاد وأودى بحياة الآلاف من السوريين وتشريد عشرات الآلاف.
وكذلك الحراك الدبلوماسي الذي تقوده كل من الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان من جهة و موسكو من جهة ثانية لاستعادة العلاقات الطبيعية بين دمشق وبعض الدول العربية التي قاطعتها منذ عشر سنوات ونيف.
لقد رحبت سورية بالاتفاق عبر بيان رسمي لوزارة الخارجية أكدت فيه أن هذه الخطوة “ستقود إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة وإلى التعاون الذي سينعكس إيجابياً على المصالح المشتركة لشعبي البلدين خاصة ولشعوب المنطقة عامة”.
معربة عن أملها “باستمرار هذه الجهود لتشمل العلاقات بين دولنا العربية وأصدقائنا لمواجهة التحديات الكبرى التي نواجهها في عالم اليوم.”
لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، هل ستنجو خطوات التقارب السعودية الإيرانية من الأفخاخ التي قد تزرعها بعض الأطراف المتضررة والتي أعربت عن استيائها من الاتفاق وخصوصاً واشنطن و”تل أبيب”؟
فقد سارعت الصحافة الإسرائيلية إلى وصف ما حدث بأنه “ضربة قاسية للولايات المتحدة و”إسرائيل” وأن الاتفاق “يرسم خريطة جديدة للشرق الأوسط وما وراءه”.
و”يبدد الحلم الإسرائيلي في إقامة تحالف عربي دولي ضد إيران” فكيف ستتصرف “تل أبيب” وواشنطن؟
مما لا شك فيه أن استعادة العلاقات السعودية – الإيرانية وعودة العلاقات الديبلوماسية بين الجانبين والتنسيق الأمني سيساهم في تفكيك الكثير من الأفخاخ والألغام التي زرعت في المنطقة على مدى سنوات وسوف يساهم في تبريد بعض ساحات الاشتباك المعروفة في كل من سورية ولبنان واليمن ما سينعكس إيجاباً في اجتراح الحلول الدبلوماسية التي تحدث عنها وزير الخارجية السعودي عندما أكد أن رؤية السعودية تقوم اليوم على “تفضيل الحلول السياسية والحوار”.
إن الاتفاق الذي يحلو للبعض وصفه بأنه خطوة تكتيكية، يشكل تحولاً حقيقياً في مسار السياسيات الإقليمية والدولية ويبرز مساراً جديداً بدأت الرياض تشقه لنفسها بعيداً عن الوصاية الأمريكية، وظهر ذلك جلياً في عدم رضوخ ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” لإملاءات واشنطن فيما يخص الموقف من الحرب الأوكرانية ومن العلاقات المتنامية مع كل من موسكو وبكين.
لكن الاتفاق يحتاج كي ينجح ويصمد في وجه من يحاولون منذ سنوات إثارة الخلافات العربية -الإيرانية وتأجيجها، يحتاج إلى دعم إقليمي ودولي ومواقف حقيقية يبدو أنها موجودة كشف عنها سيل بيانات الترحيب من معظم العواصم الدولية والتي تشكل بداية طيبة لدول المنطقة وشعوبها.
عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز
اقرأ أيضاً: موسكو تستضيف اجتماعاً سورياً تركياً بمشاركة طهران