التعافي المبكر والعرقلة الغربية
التعافي المبكر والعرقلة الغربية
قبل عام ونيف اتخذ مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2585 وعاد ومدده بالقرار رقم 2642 لعام 2022 الخاص بالمساعدات الإنسانية للشعب السوري ودعم مشاريع التعافي المبكر لتمكين السوريين المتضررين من الحرب الاعتماد على أنفسهم، لكن الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي ما يزالون يعرقلون ويعطلون تنفيذ تلك المشاريع لأهداف وأجندات سياسية خبيثة.
لقد أكد المجلس أن نطاق الأنشطة الإنسانية أوسع من مجرد تلبية الاحتياجات العاجلة للسوريين المتضررين من الحرب وويلاتها و”أنه ينبغي تكثيف ما يتخذ من مبادرات إضافية من أجل توسيع نطاق الأنشطة الإنسانية بما في ذلك مشاريع التعافي المبكر الهادفة إلى توفير المياه وخدمات الصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم والمأوى والكهرباء لاستعادة إمكانية الحصول على الخدمات الأساسية”.
لكن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا الذين صدعوا رؤوس العالم بالحديث عن حرصهم على حياة السوريين امتنعوا عن التصويت على القرار ومازالوا يعارضون فكرة دعم مشاريع التعافي المبكر ويعرقلونها لأنها تمكن السوريين من الاعتماد على أنفسهم وتزيد من قدرتهم على مواجهة الحصار الخانق الذي تفرضه الولايات المتحدة عليهم.
تصر الولايات المتحدة على خرق “القانون الدولي” وقرارات مجلس الأمن والاقتصار على إرسال شحنات المساعدات وما تخفيه تحتها من شحنات الأسلحة إلى المجموعات الإرهابية وتنظيم “جبهة النصرة” الإرهابي في إدلب وإلى “الانفصاليين” في الجزيرة السورية، في الوقت الذي تسرق فيه إنتاج سورية من نفط وغاز من منطقة الجزيرة السورية وتمنع الحكومة السورية من استيراد النفط والفيول الذي يشكل عماد مشاريع توليد الكهرباء التي تحدث عنها قرار مجلس الأمن الدولي.
لا تريد الولايات المتحدة ومعها العديد من الدول الأوروبية للشعب السوري أن يتعافى من محنته وأن يستعيد عافيته اقتصادياً وإنسانياً واجتماعياً، فلو كانت حريصة فعلاً على حياة السوريين كما تدعي في بيانات النفاق التي تدلي بها في مجلس الأمن الدولي وغيره من المنصات الدولية، لما فرضت الحصار والعقوبات الأحادية على سورية وشعبها خارج إطار القانون الدولي والشرعية الدولية، وما فرضت عقوبات على الدول والشركات التي تتعاون مع الدولة السورية لإصلاح البنى التحتية للخدمات من كهرباء واتصالات ومشاريع الري ومياه الشرب والتعليم والصحة.
لقد أكدت المقررة الأممية قبل أسبوع بعد زيارة لسورية استمرت 12 يوماً أن الحصار الأمريكي الغربي ضد سورية يرقى إلى جرائم الحرب وينبغي رفعه فوراً لأنه حصار غير شرعي ويؤدي إلى تقويض جهود التعافي الاقتصادي ومشاريع التعافي المبكر وإعادة الإعمار، ولا تسلم منه قطاعات الغذاء والمياه والكهرباء والوقود والمواصلات والرعاية الصحية.
للحقيقة أن معظم المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الدولية – على أهميتها- هي مساعدات إغاثية لحفظ الحياة ودرء الموت وهي للاستهلاك اليومي والشهري، وبالتالي هي غير قادرة على إنعاش السوريين ومنحهم القدرة على التنفس والحياة لوحدهم.
فتقديم خزان لمياه الشرب في الحسكة لا يمكن أن يكون بديلاً عن استعادة مصادر المياه المسروقة من قبل المحتل التركي وأدواته الإرهابية، مثلاً.
لذلك فإن دعم مشاريع التعافي المبكر تفترض من مجلس الأمن الدولي استخدام سلطاته وصلاحياته لمنع النظام التركي من سرقة حصة السوريين من مياه الفرات ودجلة.
وإقامة نقطة طبية متنقلة لتقديم الخدمات الطبيعة الإسعافية في منطقة تعرضت للدمار، على أهميتها أيضاً كعمل إسعافي، لا يمكن أن تكون بديلاً عن إعادة ترميم مشفى وتجهيزه بالمعدات الطبية لمعالجة الناس وتقديم الخدمات الصحية.
وكذلك ضرب المطارات والاعتداءات الإسرائيلية عليها بشكل متكرر تحت أنظار الأمم المتحدة ومجلس الأمن دون أي موقف، هو اعتداء على مفهوم التعافي المبكر واستعادة شرايين الحياة الطبيعية للسوريين والتي تعتبر الأساس لعودة اللاجئين إلى مناطقهم.
إن مفهوم التعافي المبكر يعني دعم المشاريع الزراعية التي تؤسس لاستقرار الأسر السورية واستقرار المهجرين العائدين إلى قراهم وبلداتهم والعيش بدون الاعتماد على سلة المساعدات الأممية التي تحولت إلى موضع إذلال للعائلات المحتاجة، يعني توفير البنى التحتية التي تضمن حياة كريمة لعودة اللاجئين.
للحقيقة أن السوريين لا يحتاجون المساعدات بقدر ما يحتاجون إنهاء الاحتلال الأمريكي لحقول النفط والغاز في الجزيرة السورية الذي تسبب بخسائر في قطاع النفط والغاز منذ عام 2011، بلغت حتى منتصف العام الجاري 107 مليارات دولار، فأي مساعدات يمكن أن تعوض السوريين عن هذه السرقات والخسائر؟
دعم مشاريع التعافي المبكر تعني تخلي واشنطن والدول الغريبة عن سرقة موارد السوريين والتوقف عن حصارهم، تعني التخلي عن تسييس العمل الإنساني والتنموي فيها ووضع العراقيل أمامه، تعني دعم الجهود الوطنية لإنشاء مشاريع مستدامة، والانـتقال من المساعدة الإنسانية الطارئة إلى مشاريع التعافي المبكر والمشاريع المتوسطة والبعيدة المدى وبناء القدرات لتمكين السوريين ودولتهم من استعادة قوتهم واستغنائهم عن مساعدات الدول المانحة، والسوريين معروفين بأنهم من أمهر شعوب العالم في الإنتاج واستعادة الحياة والنهوض من جديد.
عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز
اقرأ أيضاً: “إلينا دوهان”.. صوت أممي صادق