الانفتاح على دمشق والهجوم على طهران
الانفتاح على دمشق والهجوم على طهران
لن نفاجأ كثيراً عندما نقرأ في بعض الصحف العربية المملوكة غربياً ربط الانفتاح العربي على سورية بهجوم على إيران، وكأن المعادلة هي إما أن تكون دمشق في المحور العربي (بعجره وبجره) أو أن تكون ضده.
وبالتالي في المحور الإيراني الذي تعمل الدعاية الغربية وبعض العربية على التهويل منه ومن تأثيراته السلبية على الأمن في المنطقة، في وقت تغيب كلياً ممارسات وسياسات كيان الاحتلال الإسرائيلي عن مانشيتات تلك الصحافة باعتبار هذا الكيان حملاً وديعاً يتعرض للتنكيل من الشعب الفلسطيني!
بالتأكيد إن الدول لا تتخذ مواقفها السياسية باعتبارها جمعيات خيرية، وكل دولة تحسب حسابات دقيقة قبل أن تتخذ موقفاً من قضية دولية أو إقليمية ما بما يتوافق مع مصالحها، وما وجود إيران في سورية سوى تعاون بين دولتين اتفقتا على مدى عقود من الزمن على مبادئ عامة وقضايا إقليمية تشكل موقفاً مشتركاً للبلدين وأولهما الموقف من القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
التعاون السوري الإيراني بدأ مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، عندما قامت طهران بإغلاق سفارة كيان الاحتلال الإسرائيلي وحولتها إلى سفارة لدولة فلسطين، وتوسع هذا التعاون على مدى السنوات وخصوصاً بعد أن تعرضت سورية لحرب إرهابية تقودها الولايات المتحدة و(إسرائيل)، عندما تخلى معظم العرب عن سورية وتحالفوا ضدها بينما كانت طهران تقف مع دمشق وتقدم لها العون والمساعدة على مختلف الأصعدة.
اليوم تتحرك بعض العواصم العربية للانفتاح على دمشق وقد أبدت القيادة السورية ترحيباً بهذا الانفتاح الأخوي الطبيعي، وقد أكدت سورية دائما على أهمية العمق العربي والأمن القومي العربي وهي دخلت في اتفاقيات وحدة مع عدد من الدول العربية، وتخلى السوريون عن أحزابهم كرمى للوحدة مع مصر.
وسورية ما تزال تعوّل على العمق العربي وعلى التعاون العربي لكن ليس على حساب علاقاتها بأي من حلفائها سواء إيران أم روسيا أم غيرها.
وفي نفس الوقت تعتقد دمشق أن من حق الدول العربية إقامة تحالفاتها الخاصة ولكن ينبغي ألاّ تكون على حساب علاقاتها العربية – العربية، فلم تشترط دمشق على أي من الدول العربية قطع علاقاتها مع كيان الاحتلال الإسرائيلي لبناء علاقات طيبة معها، وإن كانت تفضّل أن يحصل ذلك، لكنها مقتنعة بحق كل دولة في نسج علاقاتها الثنائية وفق مصالحها.
فلماذا سيكون شرط بعض الدول على دمشق خفض أو إنهاء علاقاتها مع طهران التي وقفت معها في وقت الشدة وفي مواجهة الإرهاب؟!
بالأمس صدر تصريح من الناطق باسم الخارجية الإيرانية وصف فيه الانفتاح العربي على دمشق بأنه “خطوة إيجابية” فما كان من صحيفة الشرق الأوسط السعودية إلاّ أن أفردت تقريراً مطولاً تعتبر فيه هذا التصريح “استفزازاً وتدخلاً” في الشؤون العربية!
فلماذا لم يكن موقف تلك الصحيفة ومن يقف خلفها ويموّلها من نفس العيار عندما أعلنت واشنطن رفضها الانفتاح العربي على دمشق؟! أليس هذا تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول العربية؟!
للحقيقة، إن الأقلام والآراء العرجاء وتلك التي تعمل على تشويه وتضليل الرأي العام العربي والعالمي وصلت إلى مرحلة “الإقياء” وليس لديها شيء تتحدث به سوى إعادة تدوير الأكاذيب المختلقة التي لا تصمد أمام أي محاكمة منطقية.
لماذا تعتبر الصحيفة ومن استصرحتهم أن كلام المتحدث الإيراني حديث “بالنيابة” عن سورية؟ بالرغم من أن سورية باركت من أول يوم وعلى لسان كبار مسؤوليها الزيارات العربية وأكدت أهمية الخطوات الإيجابية ومد يد العون للسوريين في محنتهم في مؤشر على تجاوز دمشق مواقف بعض العواصم العربية ضدها على مدى عقد ونيف.
فإن كانت مصلحة بعض العرب مع (إسرائيل) التي تحتل فلسطين وتنكّل بشعبها وتحتل الجولان وتعتدي على سورية ويتبنون منطقها وموقفها ضد إيران، وإذا كان هؤلاء البعض يقفون مع واشنطن التي تحتل بعض المناطق السورية وتسرق قمح السوريين ونفطهم، فهذا شأنهم بالرغم من العتب السوري، لكن دمشق بالتأكيد لن تتخل عن حلفائها لمصلحة أعدائها تحت أي ظرف، فقد اختبرتها الأيام والسنوات ولا داعي للتعويل على هذا الأمر من جديد، فالتعويل عليه وهم وسراب.
عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز
اقرأ أيضاً: الزلزال.. تحريك الإرهاب وتلميعه