مقالات

ما بين اختطاف شخص واختطاف وطن

ما بين اختطاف شخص واختطاف وطن

 

باعتراف الرئيس الأمريكي جو بايدن فإن الصحفي الأمريكي أوستن تايس الذي تقول الإدارة الأمريكية أنه اختطف في سورية عام 2012 “خدم في سلاح مشاة البحرية الأميركية” أي أنه عسكري أمريكي وليس مجرد صحفي استقصائي كما تروج له واشنطن.

ما بين اختطاف شخص واختطاف وطن

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المذكور وفق الوثائق الرسمية السورية لم يدخل بشكل شرعي عبر المنافذ الحدودية بل دخل تسللاً إلى المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية في سورية، وهذا وفق القانون يحمّل الشخص نفسه مسؤوليه ما حصل معه.

لكن رغم ذلك، وإذا كنا نعترف بأن قضية تايس قضية إنسانية وتتعلق بحياة شخص حُرم من حريته وحرمت عائلته منه، ويحق الولايات المتحدة في البحث عن مصير مواطن أمريكي عبر فتح قنوات اتصال مع الحكومة السورية للمساعدة في الوصول إليه، فإننا نسأل الإدارة الأمريكية عن حق الشعب السوري في المقابل من الإدارة الأمريكية التي تختطف منذ عام 2014 مساحات واسعة من سورية، وتختطف معها مصير ملايين السوريين عبر احتلالها منطقة الجزيرة السورية وسرقة مواردها من نفط وقمح وفرضها الحصار في البر والبحر على واردات النفط السورية.

نسأل الإدارة الأمريكية عن حق المئات بل الآلاف من العائلات السورية الذين فقدوا أحبتهم جنوداً ومدنيين جراء الاعتداءات الأمريكية بالصواريخ على عدة مناطق سورية، هل تنظر إليهم الإدارة الأمريكية كأرواح وكبشر لهم الحق في الحياة مثل الصحفي تايس أم تتلطى خلف مصطلح «الخسائر الجانبية» للحرب؟!!

لن يقبل السوريون، حكومة وشعباً، أن تلقي عليهم الإدارة الأمريكية الدروس في الأخلاق والقانون الدولي وحقوق الإنسان والحريات، وهي تمارس دور قطاع الطرق.. تسرق نفطهم وغازهم وقمحهم من الجزيرة السورية وتقيم مظلة حماية لإرهابيي داعش في قاعدة التنف العسكرية على مثلث الحدود السورية – العراقية – الأردنية.

لن نقبل من واشنطن أن تهتم لمصير وحياة الصحفي تايس وهي تنتهك حق الحياة لمئات الآلاف من السوريين الذين تحولوا بفعل الحصار والسطو الأمريكي على مواردهم في الجزيرة السورية إلى محتاجين وفقراء يعانون تأمين احتياجاتهم اليومية.

إن كانت الإدارة الأمريكية حريصة فعلاً على مصير مواطنها تايس، فلتظهر حرصها على مصير هؤلاء السوريين ولتعترف بجرائمها بحقهم، وليكن الحوار على أساس المصالح وعلى أساس الاحترام المتبادل للحقوق، لأن أي حوار أو اتصال يهدف لتحقيق مصالح أمريكية على حساب مصالح السوريين لن يكتب له النجاح بل لن تُفتح له الأبواب.

وما أعلنته الولايات المتحدة بأنها حاولت فتح قنوات مع الحكومة السورية لمعرفة مصير تايس وأن هذه المحاولات قوبلت بالرفض القاطع، هو أمر طبيعي وحق سوري، لأن الاتصال والتواصل ينبغي أن يكون على الانسحاب الأمريكي من الأراضي التي تحتلها القوات الأمريكية بشكل مخالف للقانون الدولي ولجميع الأعراف والمواثيق الدولية.

أيهما أهم؟ قضية شخص أم قضية وطن؟ اختطاف شخص أم اختطاف مصير وطن عبر الاحتلال؟

بالنسبة لنا في سورية ورغم تعاطفنا مع قضية تايس وعائلته، نعتقد أن قضيتنا الوطنية ومصير الجزيرة السورية التي تحتلها واشنطن أهم بكثير من قضية تايس، وأوضاع السوريين الذين أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر نتيجة الحصار الأمريكي وسرقة مواردهم أهم بكثير من قلق بايدن على مصير تايس وغيره من الأمريكيين المختطفين في سورية إن وجدوا.

لا يهمنا كثيراً تطبيع العلاقات مع واشنطن التي تقول أن تواصلها مع الحكومة السورية لا يعني التطبيع معها، فالسوريون عاشوا عقوداً من الزمن من دون تطبيع العلاقات مع الإدارة الأمريكية وكانوا في أحسن حال، واليوم هم لا يتسوّلون تطبيع العلاقات.. فلا تشغلوا بالكم بنفي إمكانية التطبيع مع دمشق.

ما بين اختطاف شخص واختطاف وطن

وإذا كانت واشنطن مهتمة فعلاً بمصير تايس فعليها أن تعترف بما تقترفه بحق السوريين وتتوقف عن جرائمها ضدهم، وعندها سيكون الباب مفتوحاً للبحث والتعاون والتقصي عن مصير الصحفي الأمريكي، فربما ينتهي اختطاف تايس مع انتهاء اختطاف الجزيرة السورية.

عبد الرحيم أحمد

كليك نيوز

اقرأ أيضاً: بايدن يتعهد بالتواصل مباشرة مع دمشق لإعادة أوستن.. عائلة كمالماز: نتمنى أن يعترف بنا أيضاً

اقرأ أيضاً: سورية تنفي المزاعم باختطاف أو إخفاء أي مواطن أمريكي على أراضيها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى