طقوس الزواج.. محاكاة للماضي وتعدٍ على المستقبل
إذا كان العروسان من قرية واحدة يكلف الشباب الساهرون في بيت العريس بجلب العروس، كما يعدون فرساً أصيلةً لكلا العروسين والتي تمثل رمز الفخر لهما، صور مقربة لما كان العمل به سابقاً، طقوس يطويها الزمن شيئاً فشيئاً وكأنها كتاب مضى عليه حين من الدهر ولم يعد صالحاً للتطبيق في زمن غلبت فيه الرؤى والتمثيل لما هو مماثل لفكر واتجاه فئة معينة أو تجسيداً لقيم مجتمعات باتت ظروف الحياة شماعة لتقصيرها في أداء واجباتها الاجتماعية لمثل هذه المناسبات.
فكما درجت العادة وعرف السابقون ممن عاصروا أزمنة بعيدة عنا كل البعد، لم يعد شيء كمثيله، لا بل تعد حدود الاختلاف والتحضر داخلاً عتبة التقصير واللامبالاة بما يتم السعي له والعمل به فيما مضى.
وإذا ما أغفلنا قليلاً اللجوء لحكمة الكبار في هذه المواقف من المؤكد الوقوع بالخطأ، إلا أن البعد عن التفاصيل التي باتت متعبة ومنهكة للبعض لا يمكن تسميته أو تحديده إلا وفق مخالفة الطبيعة أو تغيير المسار عما كان عليه، وفي الحالتين لم يعده المراقبون لسير عجلة التقدم تطوراً، لا بل بعداً عن مكامن الصوابية من جهة الإتيان بالواجب والفضيلة واحترام المجتمع والإنسان بصفته كائن قائم على التقدير للغير.
كما للتسويف في أمور تعتبر من مكارم الأخلاق ليس بالأمر المقبول، ولم يعد بالإمكان تداركه أو العمل به من قبل الجماعة، فيما لظروف ومبررات التغيير ركائز وأسس لا يمكن الحياد عنها أو تجاوزها، الوليمة عماد الفرح.
والأهازيج والتغريدات قوامه الأصيل، فما ذكر في موسوعة السويداء للباحث الأستاذ اسماعيل ملحم ما هو إلا مقاربة بحثية لما يجب العمل به، فالفرح الذي يغمر منزل العروسين ضمن باقة من الأغاني التراثية التي فقدتها مخيلة الذاكرة المحلية اليوم، ترجمة ليوم الفرح العظيم.
واليوم في مقاربة بسيطة لما يتم اعتماده لن تجد سوى القليل من بقايا ماضٍ غابرٍ أخذ معه أصالة وبركة هذه الطقوس، وسوء الحديث عن فترة ستكون حتماً محط ذكر واهتمام أجيال قادمة، لكن بلا استئثار أو محبة لها، كما هو حال أيامنا هذه.
فخلط المفاهيم بات مربكاً وتشريع ما كان غير ممكنٍ لم يجلب سوى التردي لهذه المناسبات، فلا زواج بمحبة ولا اتكال بيقين، والمظاهر خادعة لا بل مكلفة أيضاً، ليبقى الاستغناء عن جوهر العملية والتمسك بقشورها عنوان هذه المرحلة، التي لطالما كانت وستكون مستقبلها.
هيهات أن يظن البعض، أن ما ذكر هو لوحة فنية أو تذكارية، بقدر التذكير بها ومن خلالها بماضٍ عريق، رسم المعالم الحقيقية للثقافة السمحة بدل التقليد والتباهي بما ليس بمقدور الكثير، فمن أراد الاستدلال فله خير دلالة الخلف، ولتعلموا أن الحكمة لا توجد سوى في تجارب الآباء وعلى ألسنتهم.
بارعة جمعة –كليك نيوز
اقرأ أيضاً .. طقوس العيد في الساحل السوري بين الماضي والحاضر