هجرة الكفاءات إلى الخارج على رأسها الأطباء أضعفت مقدرات البلاد.. خبراء موارد بشرية: وضع سياسة وطنية شاملة بهدف الحفاظ عليها
لم يتوقف النزيف البشري من الكفاءات والعقول السوريّة من أطباء ومهندسين وخبراء في كل القطاعات إلى الخارج منذ اندلاع الحرب عام 2011 م وحتّى تاريخه، الأمر الذي أدّى إلى اعتماد الدولة على الأقل كفاءة في ميدان العمل، حيث انعكس ذلك سلباً على مجالات الإدارة والاقتصاد والثقافة والصحة وغيرها.
يقول خبراء الموارد البشريّة أنّ حل معضلة هجرة العقول تكون من خلال وضع سياسات وطنية عامة تهدف للحفاظ على الكفاءات الموجودة داخل البلد، إلاّ أن الاجراءات في معالجة هذا الموضوع لا تزال خجولة حتى الآن، من وجهة نظرهم.
خبير التنمية البشرية “محمد خير اللبابيدي” أوضح في حديثه لـ كليك نيوز، أنّ وجود المقدرات البشرية الخبيرة والمميزة تشكل مصدر قوة للبلد لأي بلد، وخسارتها تعتبر ضعف لها وللمجتمع ولاقتصادها بمختلف قطاعات الحياة.
خسارة 60% من الأطباء
وبيّن “اللبابيدي” أنّ سورية خسرت خلال الحرب عدداً كبيراً من كفاءاتها نتيجة السفر والهجرة، وحسب الإحصائيات هناك 60% من الأطباء غادروا البلاد، إضافة إلى خسارة عدد من التجار والصناعيين وأصحاب رؤوس الأموال وأساتذة الجامعات وغيرهم بنسب تتراوح بين 20 إلى 40%.
الأمر الذي أدّى إلى ضعف واضح وصل في مرحلة من المراحل خلال الحرب إلى حالة عجز لاسيما في القطاع الصحي والتعليمي وحتّى الإنتاجي، لافتاً أنه بسبب خسارة البلد لهذه الخامات والخبرات اضطرت الدولة إلى الاعتماد على أصحاب الكفاءة والأداء الأقل جودة ممن تبقى على أرضها مما أدى إلى نتائج متدنية في مختلف القطاعات.
وأضاف، لكن ما يمكن قوله وبإيجابية يحدوها الأمل، أنّ سورية كانت ومازالت وستبقى بلداً ولاّدة فتية قادرة خلال فترات قياسية على تجديد مواردها البشرية وكفاءاتها المميزة، مضيفاً أن نسبة الشباب في سورية مازالت الأعلى ومستوى التعليم فيها عاد إلى تميزه بشهادة المنظمات العالمية وهؤلاء الشباب الخريجون في مختلف الاختصاصات الطبية والهندسية والتجارية والصناعية كان لهم الدور الأكبر في إعادة بناء وتشغيل العدد الكبير من المنشآت الطبية والهندسية والصناعية والتجارية التي بدأت بشكل أو بآخر بإدخال الاقتصاد السوري أبواب مرحلة التعافي ولو بوتيرة متدرجة نوعاً ما نظراً لمستوى الدمار الهائل خلال الحرب.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الدولة أقرت مؤخراً إجراءات تحفيزية لدعم القطاع الاقتصادي وتسهيل منح التراخيص لمختلف المنشآت وفي كل المجالات، كما وعملت على زيادة الحوافز للعاملين بحسب الإمكانيات المتاحة الأمر مما، خفف إلى حد ما من الهجرة وإن كان بسيطاً وهذا يرجع لصعوبات جمة تعانيها سورية بعد الحرب وخاصة الحصار الخانق المفروض عليها.
بدوره، خبير الموارد البشري واستشاري تدريب وتطوير “عبد الرحمن تيشوري”، أشار لـ كليك نيوز إلى أن هجرة الكفاءات ظاهرة قديمة في بلادنا، لكن منذ عام 2011 وحتى اليوم وصلت خسائر الكفاءات إلى أرقام كبيرة كالأطباء والمهندسين، وغيرهم من الاختصاصات الأخرى.
الأمر يحتاج وضع سياسة وطنية
ولفت “تيشوري” إلى أن هذا الموضوع يحتاج الى وضع سياسة وطنية عامة من أجل وقف هذا النزيف من العقول، لأن استمرار الخسائر ونزوح الكفاءات خارج سورية يعرقل عملية التنمية، ما يعني أننا غير قادرين على إعادة إعمار سورية، ومعالجة الخلل الذي حدث في عملية التنمية والخراب الذي لحق بالاقتصاد.
مضيفاً أن البلد يعيش حالياً وضع مشوّه غير طبيعي، لذلك الأمر يحتاج الى سياسات وطنية جديدة في المجال الاداري والاقتصادي والثقافي أيضاً، مشدداً على ضرورة رصد هذه الظاهرة والتدقيق بعدد الكفاءات التي هاجرت كخطوة أولى لمعالجة هذا الموضوع، أما الخطوة الثانية فرفع الرواتب والأجور إلى 2.5 مليون راتب الموظف في القطاع العام وإذا لم يكن بالإمكان رفعه لهذا الرقم، يمكن وضع سياسات خاصة لأصحاب الكفاءات العالية النوعية مع رفع رواتب عشر آلاف كفاءة وخبير في مجالات الشأن العام.
اقرأ أيضاً: نساء يقتحمن مهناً كانت حكراً على الرجال.. باحثة اجتماعية تقترح حلاً في ظل الظروف الراهنة
وكشف “تيشوري”، إلى أن المعهد الوطني للإدارة هو أحد الأدوات الاصلاحية والذي أحدث عام 2002، لكن إلى الآن الخريجين بدون عمل ولم يحصلوا على حقوقهم، رغم أن الحافز الذي تم اقراره آنذاك 75% من قيمة رواتبهم لذلك تم تعطيل هذه المؤسسة وغيرها.
داعياً الى حصر الكفاءات، مثلاً، هناك حملة الدكتوراه خريجي المعهد الوطني للإدارة، خريجي المعهد العالي لإدارة الاعمال “هبا”، خريجين المعهد العالي للتنمية الادارية، كذلك أصبح هناك تطورات مهمة في مجال التعليم العالي، إضافة إلى إحداث الادارة والجامعات الخاصة.
منوهاً إلى وجود نوعية من الكفاءات تحتاج الى ترتيب وحصانة ورعاية، بالإضافة إلى تحفيزهم واحترامهم وتقديرهم في مواقعهم الوظيفية، ومنحهم حوافز مادية ومعنوية كسيارة، منزل، رواتب، كل ذلك بهدف الحفاظ على الكفاءات الموجودة في البلاد، لافتاً إلى أنّ الهدف من هذه السياسة الوطنية الحفاظ على الكفاءات داخل الوطن لأن هذه الكوادر هي طريق النجاة والتعافي.
مشروع تطبيق الإصلاح الإداري
وذكر “تيشوري” أن تطبيق مشروع الإصلاح الإداري هو إحدى النوافذ المضيئة والمهمة لمعالجة مشكلة الموارد البشرية، لكن وزارة التنمية الادارية أخفقت في معالجة هذا الموضوع، وهناك ثغرات فيه حيث ابتعد المشروع كثيراً عن رؤية السيد الرئيس بشار الأسد وخاصة عندما تحدث أمام الحكومة عام 2017 ووجه الوزارات لاسيما وزارة التنمية الادارية بتنفيذ هذا المشروع بطريقة تضع نظم وظيفية تعتمد على القياس والكفاءة، ويكون لدينا وصف وظيفي دقيق وجيد، وتالياً الحفاظ على هذه الكوادر.
مقترحات
هناك مقترحات عامة، بحسب “تيشوري”، أهمها منح الإعلام الحرية الكاملة للعمل، إضافة إلى إصدار قوانين جديدة للإدارة المحلية، وتفعيل مركز القياس الإداري، وكذلك قانون اللامركزية، العناية بالمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر ودعمها وتمويلها والحفاظ عليها، كل ذلك يشكل منظومة متكاملة في حال تم العمل عليها يمكن عندها أن تنطلق سورية وتتعافى، وتالياً إعادة إعمارها وإصلاح إدارتها.
ميليا اسبر – كليك نيوز
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع