ناتو للشرق الأوسط.. ما حاجة العرب به؟
ناتو للشرق الأوسط.. ما حاجة العرب به؟
تمهيد مقصود في توقيت محسوب أطلقه العاهل الأردني عبد الله الثاني في مقابلة أجراها مع قناة CNBC التلفزيونية الأمريكية بأنه أول من سيدعم تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فما هي مصلحة الدول العربية من هكذا حلف إن حصل وضد من سيتم تشكيله؟
الكل يعلم أن الدول العربية ترتبط بمعاهدة دفاع مشترك منذ عام 1950 وتنص المعاهدة بأنه، “تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أي دولة أو أكثر منها، أو على قواتها، اعتداء عليها جميعاً؛ ولذلك فإنها عملاً بحق الدفاع الشرعي – الفردي والجماعي – عن كيانها تلتزم بأن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، وبأن تتخذ على الفور – منفردة ومجتمعة – جميع التدابير، وتستخدم جميع ما لديها من وسائل، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء، وإعادة الأمن والسلم إلى نصابها”.
المعاهدة ربما لم يتم تفعيلها بشكل رسمي سوى مرة واحدة في حرب تشرين التحريرية عام 1973 ضد العدو الإسرائيلي، عن طريق مشاركة قوات عربية لكل من مصر وسورية، ودعمهما عسكرياً واقتصادياً، لكن اتفاقيات السلام المنفردة التي تم توقيعها من قبل مصر والأردن والفلسطينيين فيما بعد أدت إلى ضرب مضمون المعاهدة وتراجع التضامن العربي إلى أدنى مستوياته في وجه عدوهم الأشرس.
وبالرغم من تضاعف الاعتداءات على الدول العربية خلال العقود الثلاثة الماضية، وبالرغم من الحروب العدوانية التي شنها كيان الاحتلال الإسرائيلي ضد لبنان وضد الفلسطينيين وضد سورية، لم يتم تفعيل المعاهدة، بل على العكس شهدنا انخراط بعض الأنظمة العربية في عدوان على دول أخرى كما حدث في عدوان العراق على الكويت عام 1990، وكما يحدث في اليمن اليوم، أو المشاركة في الاعتداءات الخارجية على الدول العربية كما يحصل في ليبيا وسورية في تصرف يتناقض بشكل مطلق مع مضمون معاهدة الدفاع العربي المشترك.
إذاً لماذا يتم الحديث عن “ناتو شرق أوسطي” اليوم؟ وهل الهدف منه الدفاع المشترك للدول العربية ضد التهديدات والاعتداءات الخارجية؟ ومن هم أعضاء الحلف؟
“إسرائيل” لم تتغير بل زادت من عدوانها ضد العرب في فلسطين ولبنان وسورية، لكن بعض الأنظمة العربية تغيّرت، ومن كان يعتبر “إسرائيل” العدو الرئيسي للعرب أصبح ينظر إليها “صديق حميم”.
من خلال التصريحات العربية والأجنبية وسياق العلاقات التي شهدتها المنطقة يمكن لأي متابع أن يستكشف أهداف الحلف المفترض وماهيته وأعضاءه، فلو كان حلفاً عربياً صرفاً لم يطلق عليه “شرق أوسطي” ولو كان عربياً، ينبغي أن يكون لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية والتركية القائمة حالياً ضد الدول العربية (سورية والعراق ولبنان والفلسطينيين)، ولو كان عربياً، فلن يكتب له النجاح في أن يتشكل لأن الولايات المتحدة ستجهض فكرته قبل أن تبدأ.
إذا فهو شرق أوسطي، والهدف منه أن يشمل كيان الاحتلال الإسرائيلي وستكون قيادته إسرائيلية وموجهاً ضد إيران التي يجري تضخيم مستوى هيمنتها في المنطقة وتدخلها في الشؤون الداخلية لدولها، بالرغم من أن طهران لم تدخل في نزاع مسلح مع أي من جيرانها العرب منذ ثلاثة عقود ونيف، فيما لا يزال كيان الاحتلال الإسرائيلي يحتل الأرض العربية ويرتكب المجازر ويشن الاعتداءات ضد الفلسطينيين وضد لبنان وسورية.
ما حاجة العرب بالحلف الجديد في حين توجد اتفاقية دفاع عربي مشترك؟ ولماذا لم يتم تفعيل إبان الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 ووصول قوات الاحتلال إلى بيروت ولولا تدخل الجيش العربي السوري لكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي احتلت بيروت ووصلت إلى طرابلس؟.. لماذا لا يتم تفعيل المعاهدة ضد تركيا التي تحتل أراض سورية وأراض عراقية وتعتدي على الأمن القومي العربي بشكل مستمر منذ عقد ونيف من الزمن؟ ألا تشكل تهديداً للأمن القومي العربي من وجهة نظر من يروجون للحلف الشرق أوسطي؟
هل تشكل طهران تهديداً للدول العربية مقارنة بالتهديد الوجودي الذي يمثله كيان الاحتلال الإسرائيلي؟ كيف ستقنع الدول العربية التي ستنخرط في حلف عسكري ضد إيران تحت قيادة إسرائيلية، كيف ستقنع شعوبها بذلك؟
لا يمكن لأي جهة أن تمرر إنشاء حلف عسكري شرق أوسطي تكون فيه “إسرائيل” عضواً دون أن يكون هذا الحلف خائناً لقضية الشعب العربي وقضية فلسطين، دون أن يكون هذا الحلف تواطئاً مع المحتل الإسرائيلي يجر الدول العربية إلى ساحة صراع لا ناقة لهم بها ولا جمل، تحالف يحول الدول العربية إلى ساحة للصراع افتداء لكيان الاحتلال الإسرائيلي وممولاً لتلك الحروب التي يجري التخطيط لها في أقبية المخابرات الأمريكية والإسرائيلية.
نعلم جيداً أن بعض الأنظمة العربية لا تملك قرار الرفض أو القبول في الانخراط في تحالف كهذا، لكن من غير المقبول أن تكون تلك الأنظمة رأس حربة فيه أو أن تتنطح للترويج له على أنه خيار استراتيجي لحماية الأمن القومي العربي.
ألا تتعظ الدول العربية مما تتعرض له أوروبا اليوم من تبعات تنفيذ أجندات الناتو في الحرب ضد روسيا؟ إن وجود قواعد عسكرية ضخمة للولايات المتحدة في أي دولة عربية لا يجعل منها شريكاً لواشنطن، بل ستظل أداة تستخدمها واشنطن في حروبها الخاصة وتتخلى عنها في أول بازار سياسي يحقق مصالح أفضل للولايات المتحدة وكيان الاحتلال الإسرائيلي.
عبد الرحيم أحمد