“مسرح” حقوق الإنسان
“مسرح” حقوق الإنسان
لم يكن لدينا أدنى شك في الماضي والحاضر وينبغي ألا يكون في المستقبل، أن الدول الاستعمارية التي احتلت دولنا ونهبت ثرواتنا على مدى عقود هي سبب المآسي والحروب التي يتعرض لها العالم اليوم، وهي التي تعمل على فرض الفقر والتجهيل وانتهاك حقوق الشعوب وخصوصاً في سورية التي يعاني شعبها منذ 12 عاماً من انتهاكات ترتكبها المجموعات الإرهابية والدول الداعمة لها تطال مختلف مناحي الحياة.
وبالرغم من ذلك لا تجد تلك الدول حرجاً في أن تستغل منابر الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان لتبرئة نفسها من تورطها المثبت في انتهاك حقوق الإنسان في سورية، وأن تعمل لاستغلال المجلس لتوجيه اتهامات باطلة للدولة السورية وحلفائها ومحاولة حرف البوصلة عن المشكلة الحقيقية إلى مشاكل وإفرازات ناجمة عن المشكلة الأم.
بالأمس تقدمت بعض الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان بقيادة الولايات المتحدة بمشروع قرار معنون “حالة حقوق الإنسان في سورية” عمدت خلاله الدول المعدة للمشروع على تكريس الخروج عن قواعد عمل المجلس وكذلك تزوير الحقائق وتوجيه الاتهامات المسيسة وتجاهل حقيقة ما يتعرض له الشعب السوري من انتهاكات لحقوقه الأساسية على أيدي المجموعات الإرهابية والدول الداعمة لها والدول المحتلة لمناطق في سورية.
لقد أكدت سورية رفضها لمشروع القرار لما ينطوي عليه من تزوير للحقائق وتجاهل لانخراط الدول الاستعمارية في انتهاك حقوق السوريين، فكيف يستقيم أن تتنطح الولايات المتحدة التي تحتل مناطق واسعة من سورية وتسرق مواردها الاقتصادية وتفرض على السوريين حصاراً خانقاً يعيق قدرة الدولة على التعافي الاقتصادي واستعادة السوريين حياتهم الطبيعية.. كيف لها أن تحاضر في حقوق الإنسان في سورية وهي المتهم الأول؟
اقرأ أيضاً: سورية والعراق.. تحديات وآمال مشتركة
وكيف لمجلس حقوق الإنسان أن يقبل أن يتحول إلى “مسرح هزيل” يعمل على تبرئة المجرمين وتحويلهم إلى حمائم سلام ومدافعين عن حقوق الإنسان في العالم؟
وكيف له أن يقبل بذلك وهو يعلم أن هؤلاء “الممثلين” هم المجرمين الحقيقيين وفق كل القوانين الدولية؟
إن على مجلس حقوق الإنسان إن كان فعلاً يريد الحفاظ على حقوق الإنسان في سورية أن يتوقف عن التحول إلى “مكان لمسرحية ممجوجة” وأن يوجه الاتهامات لمرتكبيها الفعليين وأن يسمي المجرم الحقيقي الذي يعمل مع الإرهابيين على انتهاك حقوق السوريين في الحياة والصحة والغذاء والتعليم، وأن يعمل مع منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لإنهاء الاحتلال ومحاربة الإرهاب الذي يشكل أكبر مصدر لانتهاكات حقوق الإنسان في سورية.
إن مجلس حقوق الإنسان الذي حاول اختصار مشكلة حقوق الإنسان في سورية بمشكلة حقوق المرأة وما تتعرض له من قهر وإخضاع هو نوع من التزوير لحرف البوصلة عن المشكلة الرئيسية.
فالمرأة السورية على مدار التاريخ هي مثال للمرأة التي تحصل على حقوقها وتتحمل مسؤولياتها الاجتماعية والوطنية بكل اقتدار، وما تتعرض له اليوم من انتهاكات لا ينفصل عما يتعرض له الإنسان السوري بشكل عام سواء كان رجلاً أم طفلاً أم امرأة، من انتهاكات لحقوقه بسبب الحرب والاحتلال والإرهاب.
لن يستطيع رعاة انتهاك حقوق الإنسان في سورية ومرتكبيها أن يتنصلوا من مسؤولياتهم وتورطهم فيما يتعرض له الإنسان السوري والمرأة السورية من انتهاكات على يد الإرهابيين من جهة وعلى يد الدول التي تحاصر سورية من جهة ثانية مهما أتيحت لهم “مسارح” للتمثيل في العالم، وستبقى هذه الجرائم وصمة عار على جبين كل من شارك الإرهاب في تجويع السوريين وفي ممارسة الانتهاكات الجسيمة بحقهم منذ عقد ونيف.
إن ما يحتاجه السوريون اليوم من مجلس حقوق الإنسان ومن جميع المنظمات الإنسانية الدولية ألا تنساق وراء الأجندات السياسية الغربية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، وأن تسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية وأن تعمل مع الدولة السورية لوضع حد لكل الأسباب التي تؤدي إلى انتهاك حقوق السوريين بكافة أشكالها.
عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع