فرضية اتساع الحرب
فرضية اتساع الحرب
في الاجتماع التمهيدي لقمة قادة حلف الناتو المرتقبة، كرر وزراء الدفاع في الدول الأعضاء موقف الحلف من أن يكون الناتو جزءاً من النزاع في أوكرانيا، أو لا يكون، بينما أكد أمين عام الحلف أهمية ألا يتجاوز النزاع حدود أوكرانيا مشدداً على مسؤولية الناتو لضمان ذلك.
ومع تأكيد جاهزية قوات الناتو، وتعزيزها في شرق أوروبا، تبرز الخطوات الأميركية الغربية التصعيدية سواء في اتجاه تقديم السلاح لأوكرانيا أم في اتخاذ المزيد من القرارات التي تدفع باتجاه ترجيح فرضية اتساع نطاق الحرب خلافاً لما صرح به أمين عام الحلف.
واشنطن التي أعلنت عن تخصيص أكبر دعم عسكري لأوكرانيا ١٣ مليار دولار: منظومات للدفاع الجوي، طائرات بدون طيار، أسلحة فتاكة ودبابات وطائرات متطورة، التحقت بها بريطانيا معلنة عن تزويد أوكرانيا بصواريخ “ستار ستريك” الشهيرة، في ظل اندفاع غربي لنقل منظومة اس ٣٠٠ للأوكرانيين، فضلاً عن إرسال المرتزقة وتوفير الخدمات للإرهابيين والنازيين الجدد، ما يعني أن أميركا والغرب بصدد العمل على سيناريو إطالة أمد الحرب لاستنزاف روسيا.
قد تكون فرضية اتساع نطاق الحرب غير واردة لدى موسكو التي حددت أهداف عمليتها العسكرية منذ البداية، لكن الغرب وأميركا ربما يستبعدان اتساعها ولا يرغبان به لأسباب أخرى تتصل بمروحة المخاطر الكبيرة وعدم الاستعداد لها، بمقابل سيناريو استنزاف روسيا وتحطيمها اقتصاديا.
في آخر خطاب للرئيس الأميركي جو بايدن، كان ذلك واضحاً، إذ عبر عن عزم الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين على زعزعة الاقتصاد الروسي وسحقه، وعزل موسكو، وجعل الرئيس فلاديمير بوتين يدفع الثمن، حسب تعبير بايدن.
الرهان الأميركي على إضعاف روسيا عبر ما سمي بتآكل الاقتصاد الروسي الذي من شأنه أن يغير موازين القوى في داخلها – استخدام الطابور الخامس – يكاد يكون الخيار الوحيد أمام أوروبا وواشنطن، حيث تضغط عليهما الأزمات والمخاوف التي أفرزتها الحرب حتى الآن والمرشحة للتفاقم مع مرور كل يوم، أزمة الطاقة، النفط والغاز، أزمات غذائية، إضافة إلى أزمة النقل البحري والبري، والأزمات الاقتصادية المالية التي تلوح في الأفق.
حدود التدخل والحماقة الأميركية الغربية، إذا كانت تبدو حتى الآن غير عسكرية بمعنى عدم الانخراط المباشر بالحرب، الإمتناع عن إرسال قوات، وتهيب محاولة فرض حظر جوي فوق أوكرانيا، فإنها قد تتجاوز لاحقاً حدود العقوبات التي هي بالأصل تعد سلاحاً ذو حدين، ذلك أن الغرب لن يتحمل طويلاً التداعيات الخطيرة للعقوبات، وربما لن يقوى على تقديم تضحيات أخرى في اقتصادياته وعيشه.
كل ذلك يؤكد أن المعركة الأكثر تأثيراً لم تبدأ بعد، المواجهة الأكثر ضراوة لم تستعر، الأحداث الكبرى لم تقع حتى الآن، وإن ما يجري في لعبة الشد ربما لن يبقي مسارات التدمير المتبادلة في حدود ما كان متوقعاً، إذ لا تملك روسيا إلا خيار الانتصار لأمنها القومي، في حماية مصالحها، وفي إجبار الناتو على التراجع عن تهديدات يريد توطينها على بعد دقيقتين من موسكو.
التقديرات الاستراتيجية تشير إلى اتساع رقعة الحرب، بل ربما تذهب بعض هذه التقديرات للقول بحتمية توسعها، فروسيا لن تقبل بالمطلق أن تكون أوكرانيا منصة غربية أميركية أطلسية لاستهدافها، بل مصممة على إخراجها من خندق الحلف المعادي، ناهيك عن أنها لن تكون ضعيفة ولا مفككة بل قوة مركزية “قيصرية” تعيد بمفهوم القوة – مع أكثرية عالمية – تشكيل نظام دولي متعدد الأقطاب.
التقديرات الاستراتيجية ذاتها، تشير إلى ترجيح احتمال توسع دائرة الحرب، لأن الولايات المتحدة من بعد إحكام سيطرتها على العالم، وتحديداً على كامل القارة العجوز، لن تتراجع عن مسارات الهيمنة التي ترى – لاستكمالها – وجوب إخضاع روسيا، وربما الذهاب لتفكيكها، قبل الإنتقال إلى افتتاح المواجهة مع الصين، هو بالضبط ما أشار إليه الرئيس بوتين، وقرأه الوزير لافروف بتعبير دقيق: “نمر بمنعطف مفصلي في التاريخ المعاصر يعكس المعركة من أجل مستقبل النظام العالمي”.
لكل ما تقدم، فإن التساؤلات عن شكل نهاية الحرب، عن مواعيد توقفها، عن نتائجها، عن ساحاتها، عن التغييرات السياسية التي ستنتج عنها، هي تساؤلات مشروعة، لكن طرحها ما زال مبكراً، لتبقى فرضية اتساع نطاق الحرب احتمالاً واردا، قد يرقى إلى مستوى الحتمية.
علي نصر الله