ظاهرة الانتحار طارئة أم انعكاس لرداءة الواقع الاقتصادي ومخلفات الحرب
إذا اجتمع الفقر والجوع في مكان ما، سيفقد المجتمع توازنه، لانعدام الأمن الغذائي والنفسي الذي أرخى بثقله على المواطن بشكل مباشر، مشكلاً ظواهر مرعبة أنهت حياة الكثيرين ممن استسلموا لظروف معيشتهم الصعبة التي ولَّدت لديهم الكثير من الضغوط النفسية والاجتماعية غير المحتملة وتسببت بزيادة ظاهرة الانتحار ، فكانت النتائج كارثية على المواطن والمجتمع، فبات مسرح الجريمة شاهداً على حوادث جعلت من مرتكبها القاتل والمقتول بآنٍ معاً.
اضطرابات نفسية تؤدي إلى انتشار ظاهرة الانتحار
ما يعيشه الفرد في ظل الواقع المأزوم لم يعد بالأمر المقبول أو السهل، والذي بدوره فاقم انتشار حالة الانتحار ضمن المجتمع السوري الذي عانى الأمرين من مخلفات حرب قتلت الحجر والبشر، والتي أفرزت حالة من الإجهاد الذي ساهم في خلق حالات القلق والاكتئاب بحسب دراسة قائد فريق البحث بجامعة “ميتشيغان” الدكتور “أندرو جونز”، واصفاً الحاجة بالحصول على الغذاء بطرق مهينة اجتماعياً بالمسبب الأول لمشاعر الاغتراب والعجز المرتبطة بالاكتئاب، يضاف إلى ذلك الفروق الاجتماعية والاقتصادية داخل الأسر والمجتمعات المحلية، والتي ستزيد حتماً من الحساسيات الثقافية وتؤثر على الصحة النفسية ما يدفع البعض للانتحار على حد تعبيره.
وما يؤكد تطابق هذه الدراسة مع الواقع السوري هو إقدام الكثير من الشبان وكبار السن على هذا الفعل في مناطق متعددة من سورية، بطرق الحرق أو القتل العمد من قبل أنفسهم، لأسباب تتعلق بالمعيشة أولاً والاهمال وعدم الحصول على الرعاية الكاملة ثانياً.
دوافع ظاهرة الانتحار
إلا أن ما تمر به الأسر السورية المحتضنة للأطفال وسط ظروف صعبة من شح الرزق وتراجع المستوى التعليمي، والتنمر من المحيط الذي يعد أحد أهم المسببات لانتشار ظاهرة الانتحار برأي الأخصائي النفسي الدكتور “وليد شدود” وحسب تشخيص الحالات الواردة إليه، يدفع الانسان سواء كان قاصراً أم ناضجاً للتفكير بالانتحار. عدا عن اعتراض الأهالي والتشدد والقسوة بردات فعلهم على أبنائهم، وسوء التصرف من قبلهم مع المراهقين في مراحل علاقاتهم العاطفية، تحوِّل الشاب من محب للحياة لكارهٍ لها.
كما أن ظاهرة الانتحار لها انعكاسها على أطراف العملية المعنية بها برأي “شدود”، والتي تنتج حالة من الذعر لدى الأهالي. بالإضافة إلى والشعور بالذنب والعار والندم لدى الأصدقاء والأطباء لعدم منعهم حدوث هذه الحالات.
احصائيات كارثية
وفي النظر لما تم الاعلان عنه من حالات انتحار في العام الجاري والتي قاربت ال ٩٣ حالة فقط، وذلك بحسب بيانات الطب الشرعي، شكك الطبيب النفسي “جميل ركاب” بالعدد المعلن عنه. مؤكداً بأن الرقم الحقيقي المتوقع هو أضعاف هذا الرقم، بل قد يصل ل ٢٠ ضعفاً.
وأوضح “ركاب” بأنه في النظر للحالات المسجلة والتي صنفت بـ ٥٧ حالة شنق، و١٩ بطلق ناري، و٦ بالسقوط من المرتفعات، نجد أن ما يوثق فعلاً هي حالات لا يمكن إنكارها أو تبريرها، لتبقى معظم الحالات الأخرى غير موثقة أو مسجلة، كاشفاً بالوقت ذاته بأن نسب الانتحار العالمية هي ما بين ١٠ إلى ٢٥ لكل ١٠٠ ألف شخص سنوياً. ما يعني أن حالات الانتحار المتوقعة في سورية سنوياً هي حوالي ٢٠٠٠ لـ ٥٠٠٠ شخصاً.
كما أنه عندما يسجل ١٥٠ حالة انتحار في المجتمع ضمن السنة، هذا لا يعود لرفض الانتحار في المجتمع برأي “شدود”، بل لأننا كسوريين مختلفين عن الجميع ويعود الأمر للوصم الاجتماعي للمرضى المنتحرين وأسرهم، وعدم الاعتراف من قبلهم، وبالتالي نقص التوثيق، لنجد في النتيجة بأن حالة التخلف الاجتماعي التي نعيشها جميعاً تجعلنا مشاركين بحالة التستر على الانتحار.
دمشق – بارعة جمعة
اقرأ أيضاً: جاكي شان يختار دمشق لتصوير فيلمه