سورية وتركيا.. طريق طويل وشاق
سورية وتركيا.. طريق طويل وشاق
مع وصول الرئيس بشار الأسد إلى العاصمة الروسية موسكو في الرابع عشر من آذار بدأت وسائل الإعلام والأوساط السياسية تترقب المشهد وما يمكن أن يحمله من مفاجآت على صعيد الحوار بين دمشق وأنقرة لاسيما أن موسكو وأنقرة أعلنتا عن اجتماع على مستوى نواب وزراء خارجية روسيا وسورية وتركيا وإيران في العاصمة الروسية بالتزامن مع الزيارة.
فالكل يبحث في تفاصيل البيانات الصادرة عن الكرملين وعن الرئاسة السورية وإعلامها الرسمي عما يشير عن قرب لقاء سياسي كبير بين البلدين الجارين خصوصاً بعد المفاجأة المدوية التي أطلقتها بكين قبل أيام بجمعها كل من الرياض وطهران على طاولة مفاوضات أفضت إلى اتفاق باستعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين خلال شهرين.
ورغم إن البيان الصادر عن المحادثات الرئاسية بين بوتين والأسد لم يكشف الكثير فيما يخص المفاوضات السورية التركية، واكتفى بالتلميح لها، جاءت تصريحات الرئيس الأسد في لقاءات مع الصحافة الروسية واضحة وضوح الشمس بأن لا لقاء قمة مع أردوغان ما لم تتحقق مطالب دمشق من اللقاء.
لا شك إن عدم ذكر مصير المبادرة الروسية لتطبيع العلاقات بين تركيا وسورية في البيانات الرئاسية من جهة وعودة الرئيس الأسد لتأكيد المطالب السورية بلغة لا لبس فيها عبر مقابلات صحفية مع الإعلام الروسي ومن العاصمة الروسية، تؤكد أن الطريق ما يزال طويلاً وشاقاً وأن الملفات الخلافية لم تصل إلى حلول ترضي دمشق.
وأن موسكو التي تستعجل الوصول إلى توافقات بين البلدين الجارين، تتفهم مطالب دمشق المحقة التي تشكل قاعدة صحيحة لتطبيع العلاقات مع أنقرة، وتتبناها أيضاً.
ما صدر عن الرئيس الأسد من مواقف سواء ما يتعلق منها بالعلاقات السورية الروسية وتوسيعها بشكل عملي في المجالات الاقتصادية والاستثمارية، وفي المجال العسكري الذي كان لافتاً فيه التأكيد على انفتاح سورية لتوسيع الوجود العسكري الروسي ونشر أسلحة إستراتيجية فرط صوتية تحقق التوازن الدولي، يعطي الزيارة أهمية خاصة في ظل التحولات العالمية والاشتباك الروسي الأطلسي على الأرض الأوكرانية.
لقد تحدث المسؤولون الأتراك عن الحوار والمصالحة مع دمشق كثيراً، ووصل بعض الكلام حد الثرثرة، لكن الرئيس الأسد اليوم ألقى الكرة في ملعب الرئيس التركي عندما أكد أن سورية لن توفر أي فرصة قد تؤدي إلى إنهاء الحرب التي تتعرض لها.
لكن مسألة اللقاء مع أردوغان مرتبطة بمدى أن تكون “تركيا جاهزة بشكل واضح وبدون أي التباس للخروج الكامل من الأراضي السورية، والتوقف عن دعم الإرهاب وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل بدء الحرب في سورية.
فسورية ليس لديها أوهام بشأن النوايا التركية ولذلك تريد ضمانات حقيقية بشأن الانسحاب التركي من أراضيها، وما كشفه الرئيس الأسد عن المقترح التركي الأخير بخصوص الاجتماع الرباعي على مستوى معاوني وزراء الخارجية بألاّ يكون هناك أي جدول أعمال للقاء وألا يكون هناك أي شروط من قبل أي طرف، وألا يكون هناك أي توقعات، يعرّي جديّة النظام التركي في المحادثات.
المواقف المتباينة بين البلدين واضحة تماماً، فالنظام التركي ما يزال يصرّ على الحديث عكس الواقع، فيعتبر وجود القوات التركية في سورية ليس احتلالاً.
لكن دمشق ترد .. إن لم يكن احتلالاً فما هو؟ ليس له أي توصيف سوى الاحتلال.. فهذا الوجود لم يتم بتنسيق مع دمشق ولا بطلب منها.. لذلك فهو احتلال ويجب أن ينتهي.
إن تصريحات الرئيس الأسد الأخيرة هي تأكيد واضح أن سورية ليست في وارد تقديم أي تنازلات فيما يخص تطبيع العلاقات مع أنقرة، وأنها لن تذهب إلى أي لقاء لالتقاط الصور بل بجدول أعمال واحد هو الانسحاب التركي من سورية ووقف دعم الإرهابيين فيها، سواء كان الاجتماع على مستوى مسؤولي الخارجية أم غيرها.
والحال كذلك، يبدو أن موعد اللقاء بين الرئيسين مازال بعيداً وربما لا يحدث قبل الانتخابات الرئاسية التركية في أيار القادم.
وقد يكون اللقاء مع رئيس تركي من المعارضة وليس مع أردوغان نفسه في حال خسر الانتخابات، وهو ما تفيد به استطلاعات الرأي الأخيرة التي ترجح كفة المعارضة التركية بقيادة زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو.
الزيارة الرئاسية إلى موسكو في هذا التوقيت مع ما صدر عنها بلا شك، تشكل تعزيزاً للتحالف السوري الروسي، وتعطي رداً مناسباً لكل من يحاول أن يبث الشكوك بين دمشق وموسكو حيال التطبيع مع تركيا، فرغبة الحليفين الروسي والإيراني بتطبيع العلاقات السورية التركية لن تكون على حساب المصلحة السورية بل لحسابها وفي خدمتها.
أولوية النظام التركي الفوز بالانتخابات الرئاسية لا تعني سورية بشيء، ما يعنيها هو انسحاب الجيش التركي المحتل ووقف دعم الإرهاب، وعندما يتحقق ذلك كما قال الأسد قد يكون اللقاء مع أردوغان “اليوم أو غداً” لكن اللقاء لن يكون قبل تحقق هذه الشروط بالنسبة لسورية.
عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز
اقرأ أيضاً: السعودية.. سورية تحول حقيقي أم خطوة تكتيكية؟