دعم الإنتاج الزراعي.. هل يكفي الكلام؟
دعم الإنتاج الزراعي.. هل يكفي الكلام؟
عندما تتحدث الحكومة منذ عدة سنوات وفي معظم اجتماعاتها وتصريحاتها عن حرصها على دعم الزراعة وزراعة كل شبر من الأراضي الزراعية، يخيّل للمرء أن وضع الزراعة في البلد في أحسن أحواله، وأن سورية تحولت بفعل هذا الدعم إلى واحة خضراء تنتج كل ما يحتاجه السوريون من أنواع الغذاء وبكميات تفوق حاجة البلاد وبأسعار معقولة.
تعلم الحكومة ونعلم معها أن العالم يواجه اليوم أكثر من أي وقت مضى أزمات غذائية متفاقمة بسبب التغير المناخي من جهة والحروب والصراعات من جهة أخرى، وفي بلدنا نعاني اليوم من الحالتين، فالتغير المناخي وشح المياه أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي، والحرب أتت على معظم حوامل الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمات.
ورغم ذلك نرى أن كل الحديث الحكومي عن دعم الإنتاج الزراعي يبقى في إطار الكلام النظري، بينما على الأرض نجدها تتخلى عن دعم مستلزمات الزراعة وحواملها من سماد ومبيدات ومحروقات التي تشكل إلى جانب المياه أساس أي زراعة بعد الأرض طبعاً، وتترك الفلاح والمزارع السوري يواجه التحديات وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج بمفرده.
فكيف يستقيم الحديث الحكومي عن دعم الزراعة والحرص على زراعة كل شبر من الأراضي الصالحة للزراعة في الوقت الذي ترفع فيه أسعار السماد مع بداية موسم الزراعة إلى الضعف؟ ليصبح سعر طن اليوريا 3 ملايين ليرة وطن السوبر فوسفات بأكثر من مليوني ليرة وطن نترات الأمونيا أكثر من مليون ونصف.. كيف يكون الدعم الزراعي مع عدم توفير الوقود اللازم لحراثة الأرض مع بداية موسم الزراعة؟
نعلم أن الحكومة قامت بإعادة تأهيل الكثير من شبكات الري التي تضررت وتعطلت بسبب الإرهاب في محافظات حلب وحمص ودير الزور، لكن عليها أن تعلم أن كل ذلك لن يكون مجدياً وسيكون الإنتاج في أدنى حدوده إن لم يكن مقروناً بتأمين مستلزمات الزراعة الأخرى من وقود وسماد ومبيدات وبأسعار مدعومة، هذا إذا لم يتعرض المحصول للتلف أو بقيت الكثير من الأراضي الزراعية “بوراً”، وقد تكرر هذا الدرس على عدة مواسم ولكن يبدو أنه ليس هناك من يريد أن يتعلم.
نعلم أن تأمين الوقود والسماد استيراداً يثقل كاهل الميزانية الحكومية، ولكن إذا ما قارنّا نتائج الدعم المقدم للتجارة والصناعة وللمواطن لشراء السلع، مع نتائج ما يمكن أن تتحصل عليه الدولة والشعب من دعم الإنتاج الزراعي فسوف نجد أن دعم الإنتاج الزراعي أكثر جدوى اقتصادياً وسياسياً.
فالإنتاج الزراعي المحلي في ظل الحصار الغربي ضد سورية وشعبها وفي ظل ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً وفي ظل شح الموارد الاقتصادية الأخرى، يشكل أحد أعمدة ضمان الحياة الكريمة للسوريين الذين يحاول الغرب الاستعماري تجويعهم لتركيعهم منذ عدة سنوات، كما يشكل أحد أهم مصادر الدخل الوطني الذي يخفّض فاتورة الاستيراد ويوفر القطع الأجنبي ويعزز قدرة الدولة والشعب على مواجهة التحديات والحصار والإرهاب الاقتصادي.
العديد من دول منطقة الشرق الأوسط التي تفتقر إلى الأراضي الزراعية تعمل على استئجار أراض زراعية في دول أخرى لزراعتها بمحاصيل إستراتيجية لصالح شعوبها من أجل تفادي تحكم الدول المنتجة للغذاء بقوت مواطنيها وتحقيق الأمن الغذائي لهم.
فكيف بدولة تمتلك الأراضي الزراعية الواسعة والمتنوعة ولديها تاريخ زراعي يشهد بقدرة وخبرة الفلاح والمزارع السوري على الإنتاج والتكيف مع المتغيرات؟ ألا يجدر بنا أن نضع الخطط الفعلية بناء على معطيات دقيقة وليس بناء على قرارات ارتجاليه آنية قد توفر على الدولة أموالاً لفترة محدودة، لكنها توقع البلد في أزمة بعد أشهر وتكلفّها أضعاف ما تم توفيره؟
يعلم الجميع في سورية، من مواطنين وفلاحين، التحديات التي تواجهها الدولة سواء ما يتعلق منها بسيطرة الولايات المتحدة وأدواتها الانفصالية على منطقة الجزيرة السورية وسرقة محاصيل القمح والقطن والنفط، وما يتعلق بالحصار الاقتصادي الغربي، وهذا ليس جديداً.
لذلك على الحكومة أن تكون قد وضعت البدائل خلال السنوات الماضية وبدأت بتنفيذها لتلافي تداعيات هذا الواقع الضاغط، والتوقف عن تحميل الظروف والاحتلال والحصار مسؤولية كل ما تتعرض له البلاد.
وينبغي العمل على اختيار الأسلوب الأفضل والطريقة الأنجع لدعم الفلاحين والمزارعين لتحسين كفاءة الأساليب الزراعية وزيادة الإنتاجية، وتثبيت الفلاحين في أراضيهم وتنظيم الأنشطة الزراعية، وتهيئة الظروف اللازمة للزراعة ذات القدرات التنافسية وتلك التي تحقق الأمن الغذائي وتخفف فاتورة استيراد المواد الغذائية وتصدير الفائض من الإنتاج، عندها فقط تتحول أقوال الحكومة إلى أفعال وتعود سورية مكتفية اقتصادياً وزراعياً وقادرة على تحدي الحصار والحفاظ على استقلال قرارها السياسي.
عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز
اقرأ أيضاً: السؤال الصعب…!؟