حوادثمجتمع

حكايات من “تحت الأنقاض” لناجين من الزلزال في اللاذقية

حكايات من “تحت الأنقاض” لناجين من الزلزال في اللاذقية

 

يروي بعض الناجين من الزلزال المدمر الذي ضرب محافظات عديدة في سورية وتحديداً من مدينة اللاذقية حكايات عن اللحظات الأولى التي عاشوها عالقين تحت الأنقاض، مع استحضار آلامهم ومعاناتهم التي أثرت على نفوسهم حتى اليوم، إضافة إلى مصابهم بفقدان أفراد من عائلاتهم في “ليلة ما فيها ضوء قمر” كما يقال.

“وما أصعب ساعة الغفلة” جملة قالها الناجي طبيب الأسنان “نوار شاهين” (29عاماً) من قرية القطرية بريف اللاذقية في حديثه لـ “كليك نيوز”، عمّا حل به جرّاء سقوط البناء الذي يقطن فيه والمؤلف من 5 طوابق.

وأضاف “شاهين”: “أعيش بمفردي وعند الحادثة استيقظت من نومي فجأة، ثم أدركت أن كل ما حولي يهتز وللأسف لم أستطع الهروب، اختبأت تحت السرير المصنوع من الحديد قبل لحظات من انهيار المبنى، معتقداً أنه سوف يحميني”.

“وبقي طبيب الأسنان 5 ساعات تحت الأنقاض تزامناً مع انخفاض كبير في درجات الحرارة والجو البارد الذي أرجف جسده، وحاول الصراخ كثيراً إلى أن سمعه أخاه الذي كان يتفقّده مع شباب القرية في محاولات إنقاذه”، بحسب تعبيره.

وأردف “شاهين”: “حاول شباب القرية استخدام الأدوات المتوفرة بين أياديهم بحفر نفق من أسفل المكان الذي كنت فيه إلى أن تحرّر جسدي شيئاً فشيئاً، ثم أسعفوني إلى المشفى، ليتبين أن لدي إصابة طفيفة في الرأس والأرجل، إضافة إلى هرس عضلي شديد جداً من الفخذ إلى أسفل القدمين”.

 

وقال طبيب الأسنان: “في البداية لم أكن أستطيع الحركة، ثم بدأت المشي رويداً رويداً، وخاصة بفضل رعاية كل من حولي بمنزل عائلتي وهو طابق أرضي في الحي نفسه”.

ولم تكن أذيّة “شاهين” مقتصرة على الصعيد الصحي والنفسي، بل طالت الجانب المهني، حيث تدمّرت عيادته التي كانت في ذات البناء المنهار، قائلاً: “العوض على الله والمهم أني نجيت”.

ورغم أزمات السوريين المتتالية واحدة تلوى الأخرى، إلا أن أغلبهم شعروا مجدداً بالكسر والفقدان بعد الـ 40 ثانية التي كانت كفيلة بتغيير حياتهم رأساً على عقب، حيث ارتجفت الأرض الثابتة من تحتهم، معلنة عن كارثة مدمرة ومناطق سورية منكوبة بعد تحوّل آلاف المباني والمنازل إلى ركام أسفر عن تضرر كبير وإصابة البعض من أفراد العائلة الواحدة ومقتل آخرين.

وروى الناجي “عروة ديوب” (24عاماً) لـ “كليك نيوز”، وهو متخرج من كلية هندسة الزراعة لهذا العام عن فقدانه أركان عائلته، فقد توفي والده ووالدته وأخويه الأول في الصف السادس والثاني في السابع الابتدائي بعد سقوط بنائهم في جبلة – اللاذقية جراء الزلزال المدمر.

وتحدّث “ديوب” عن نجاته هو وأخوه “علي” (25 عاماً) والأخير أيضاً متخرج من كلية هندسة الطاقة الكهربائية العام الماضي، إضافة إلى نجاة أختهم آية (20 عاماً) التي مازالت تدرس في مقاعد كلية هندسة المعلوماتية بالسنة الثالثة.

وأضاف “ديوب”: “والدتي أخذت أخوتي الصغار لتهرب بهم خارج المنزل، ثم ركض أخي علي بعد أن فتح لهم الباب لكي يعود ويحاول إيقاظنا من نومنا أنا وأختي ووالدي، إلا أن البناء المؤلف من خمسة طوابق غدرنا ووقع دون تمكننا من الهروب”.

“وبقي “ديوب” هو وأخته “آية” أكثر من ساعة تحت الأنقاض، ثم تم إنقاذهما وإسعافهما إلى المشفى، ليتبين أن إصابتهما طفيفة في الرأس، أما أخيهم “علي” فأصيب برأسه وقدمه وظهره، علماً أن أفراد عائلة “ديوب” رحمهم الله تم إخراجهم من تحت الركام في اليوم التالي على حدوث الزلزال”.

ولا يزال الناجين من أفراد هذه العائلة منهكين وفي حالة نفسية صعبة وخاصة أن “علي” الذي بات تحت الركام 8 ساعات رفض الانتقال إلى منزل عمه بعد نجاته لكونه طابق موجود في إحدى الأبنية خوفاً من انهياره، وفضّل البقاء في منزل أرضي في قريته، على عكس أخيه وأخته القاطنين لدى عمّهم حالياً”.

كذلك يروي عادل ابن الـ (16 عاماً) ما جرى لعائلته القاطنة في الرمل الجنوبي، عندما استيقظ من نومه وشاهد حالته تحت الركام على أمل أن يكون واقعه حلماً ويعود ليلتقي بأخيه أمير (6 سنوات) الذي كان هو الوحيد الناجي من الزلزال بفضل أحضان والدته وحمايتها له قبل وفاتها مع والده ابراهيم وأخيه محمد (14 عاماً).

وأكد عم “عادل وأمير” ويدعى “فايز ديكو” لـ “كليك نيوز”، أن “أخيه وزوجته وابنهم محمد صاحب الـ (14 عاماً) فارقوا الحياة جراء الزلزال”.

قائلاً: “عند وصولنا إلى مكان الحادثة شاهدنا يد أخي ابراهيم تحت الأنقاض، ولم نستطع إخراج جثته الهامدة إلا بعد مرور أكثر من 24 ساعة”.

“وتوفيت زوجة أخي بعد انتشالها هي وعادل وأمير، إلا أنها كانت مفارقة الحياة، أما محمد ابن أخي الأوسط، فأخرجناه من تحت الأنقاض بعد مرور يومين على الفاجعة ولكن كان قد فات الأوان”.

وأضاف العم المربي: “أمير وعادل الآن يقطنون معي بالسكن الشبابي، وهذا واجب إنساني وديني وأخلاقي وهم بمثابة أولادي.. الحمد لله على كل حال”.

“وتعرّض عادل إلى إصابة في قدمه جرّاء ما أسفره الزلزال، وهو الآن بحالة صحية جيدة، أما أمير فكان مجبور الخاطر تحت الركام، حيث مكث في أحضان والدته محمياً لأكثر من ساعة، ولكنه الآن يعاني من وضع نفسي صعب نحاول متابعته وعلاجه”.

وبينما كان يتجه السوريون المنكوبون في سورية إلى دفن جثث موتاهم، كان العم فايز (34 عاماً) يفكر بما حل به وبعائلته طوال السنوات السابقة وخاصة أنه مصاب حرب وإصابته عصبية تكمن بالعمود الفقري التي تمنعه عن العمل بمجالات مختلفة، ولكنه يحاول ضمن إمكانياته أن يعيل عائلته بعد أن تهجّروا من ادلب”.

وقال العم “فايز”: “فوق الموتة عصة قبر”، والدي مصاب سرطان وأختي تقطن معنا هي وأولادها بعد أن فقدت زوجها أثناء الحرب ضد سورية.. نعيش في الآجار والله يستر الجميع”.

ولعل تاريخ 6 شباط بمشاهده السوداوية وواقعه المر جراء الكارثة يمحى من ذاكرة السوريين وخاصة الناجين، لتتمخض حكاياتهم من رحم الموت وتبدأ حياتهم بخطوة جديدة مليئة بالراحة والسلام والطمأنينة.

كلير عكاوي – كليك نيوز

اقرأ أيضاً: 805 حالة وفاة و1131 إصابة.. إعلان انتهاء أعمال البحث عن ضحايا في اللاذقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى