ثقافة الشكوى وثقة المواطن السوري بتطبيقها
كثيراً ما تردد مصطلح ثقافة الشكوى على مسامعنا وخصوصاً على شاشات الإعلام السوري، حتى ظنها البعض منتجاً أدبياً يخص أحد الشعراء أو باحثي علم الاجتماع.
إلا أن منظري هذا المصطلح المستخدم دائماً من قبل المعنيين في الدوائر الحكومية، يعني قيام المواطن بالإبلاغ عن أي مخالفة قانونية من الموظفين أو التجار، ووضع المسؤول أو المواطنين على حد سواء، في صورة ارتكاب تجاوزات مادية أو قانونية لتساهم بدورك في المحاسبة.
من يحاسب من؟
يرى الكثيرون ممن التقت بهم “كليك نيوز” في حمص، أن الشكوى غير مجدية ولا تأتي بأي نتيجة، وبحسب أحد سكان حي الزهراء، بحمص، لا يوجد سعر موحد لأي مادة في السوق، فالمادة نفسها في هذا المحل تختلف عن المحل المجاور، وعند السؤال عن الغلاء يكون الجواب جاهزاً “الدولار” مع ثقته بعدم المحاسبة، حيث يطلب منه بنفسه أن تشتكي للتموين.
وأضاف صاحب أحد المحال التجارية في حي وادي الذهب، ثقافة الشكوى “حكي جرايد وبس”، فالمسؤولون في مكاتبهم لا يستجيبون لك مهما قدمت شكاوى واعتراضات، ودون أن يكلفوا أنفسهم بالنزول إلى الشارع”.
وتابع “الأجدى بهم أن يحاسبوا التجار الكبار الذين يحتكرون كل شيء، ويتحكمون بكل الأسعار في السوق، وهم سبب الغلاء بالدرجة الأولى حيث يجنون المليارات على حساب المواطن”.
انعدام الثقة بين المواطن والمسؤول
اتفق عدد من المواطنين أن سبب فقدان الثقة بوصول الشكوى يعود لضعف نفوس بعض الموظفين في الدوائر الحكومية وسهولة رشوتهم بالمال، مع مزاجية بتعاملهم مع المواطن الذي فقد ثقته بوصول شكواه إلى المستوى الأعلى، وعدم محاسبته للمقصرين في حال علمه بالمخالفات، كما قال أبو إياد في حي الإنشاءات.
وأردف” كلو بيتزبط بالمصاري” الفساد متغلغل في كل الدوائر، فأي حديث عن فائدة الشكوى في الوقت الذي يعاني فيه الجميع وأولهم الموظفين من فقر الحال، وحيثما يوجد الفقر لا يمكن مواجهة الفساد”.
يرى البعض أن ضعف انتشار هذه الثقافة، يعود كون المواطن السوري اعتاد الصراخ في وجه الموظف والمشاجرة معه إن اضطر الأمر، فذلك أهون عليه من تقديم شكوى قانونية سيتم “تطنيشها” أو” تزبيطها” في حال تعرض للإساءة أو التعدي.
وقال أبو محمد في حي السبيل “أتحداك أن تذهب لأي محل يبيع السلع بأسعار مخالفة وتقوم بالتهديد أنك ستتوجه لتقديم شكوى، دون أي يقول لك “بدك رقم التموين”، دليل على أنه غير خائف كونه يعلم مسبقاً إمكانية حلها بالنقود”.
الشكوى أن لا تسكت عن الخطأ
لم يتفق البعض مع يأس وعدم ثقة المواطن من فائدة الشكوى، وقال أحد المحامين لـ “كليك نيوز” الفاسدون موجودون في كل مفاصل الحياة، من المواطن والموظف على حد سواء، ولا يجب أن نتفرج على تجاوزاتهم، أو نسكت على أخطائهم، لأن هذا ما يجعلهم يستمرون بعملهم ليقينهم بعدم وجود من يراهم ويطالب بمحاسبتهم.
وتابع “يا أخي انت اعمل إلي عليك”، و بالتالي نرمي الكرة في ملعب الجهات المختصة بالرقابة والمحاسبة، لأن “إيد واحدة لا تصفق”، وعلينا جميعاً مراقبة سير العمل كل شخص في مجاله، وتوجيه الخطأ وتصحيحه بإيصال الصورة إلى المسؤولين والمطالبة بالمحاسبة”.
التجارة الداخلية تراها “عين المواطن”
تشير مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك إلى أنها “تعمل وفق أحكام قانون التجارة الداخلية وحماية المستهلك رقم 14 لعام 2015م، والتي تنص في إحدى مهامها على تفعيل ثقافة الشكوى”.
“حيث أن من أولويات عملها تنمية ثقافة الشكوى لدى الإخوة المواطنين من خلال الطريقة التي يتم بها التعامل مع الشاكي والشكوى، من حيث سرعة المعالجة وجديتها ومن خلال الرد على هواتف الشكاوى وبالطريقة المثلى بتلقي الشكوى ومعالجتها”.
وبحسب قولها، هي تعمل على تطبيق (عين المواطن) الذي كان له انعكاسات ايجابية على الأسواق والأسعار وتتم محاسبة من تثبت مخالفته من عناصر جهاز حماية المستهلك لدرجة تصل الى إعفاءه من العمل الرقابي.
كما وجهت دعوة للفعاليات التجارية والصناعية والخدمية إلى الإعلان عن أسعار كل المواد المنزلية والغذائية والمواد والأدوات الكهربائية والألبسة والسيارات وبدل الخدمات وغيرها بشكل واضح ومقروء.
حيث ذكرت وزارة التجارة الداخلية عبر موقعها الرسمي على “فيسبوك” أن الإدارة العامة للسورية للتجارة تؤكد أنها تتلقى الشكاوى وعلى مدار الساعة، وأية شكوى يثبت صحتها يتم اتخاذ الاجراءات الصارمة بحق المخطئ.
كما قامت بتخصيص نافذة خاصة على صفحتها لتقديم الشكاوى من المواطنين الكترونياً، ليتم عرضها لاحقاً في صفحة خاصة بالشكاوى يتم فيها عرض تاريخ ومحتوى الشكوى والجهة المعالجة لها، والإجراءات التي اتخذتها المديريات في مختلف المحافظات.
عتب من المسؤولين ” لا تقول حرام”
يحمّل معظم المسؤولين في تصريحاتهم وردودهم عتباً ولوماً على المواطن الذي لا يمارس ثقافة الشكوى ولا يصرح عن المخالفين حتى يتم تحصيل حقه، وبالتالي لا يمارس دوره في الرقابة والمحاسبة.
ويطلبون من المواطن التخلي عن التردد بتقديم الشكوى خوفاً من إلحاق الضرر بالمشتكى عليه، لاسيما مديريات التجارة الداخلية التي تطلب منه تقديم تصريح خطي أو الاتصال على الرقم 119 لمعالجة الشكوى ومحاسبة المخالفين.
ختاماً، كما ردد الكثير من العينات التي التقت بها “كليك نيوز”، والذين رفضوا الإفصاح عن أسمائهم خوفاً من الملاحقة، حسب قولهم، فإنه من المستغرب طلب الفريق الحكومي التمتع بهذه الثقافة، وهم من يرفعون الأسعار بشكل مستمر رغم أنها مدعومة تحت عدة ذرائع لم تعد تقنع أحداً.
عمار إبراهيم – كليك نيوز
اقرأ أيضاً: ” وزير التجارة ” للمواطن : لا تخاف ولا تخجل