بين الرفض والقبول.. “مرحلة التقاعد” كيف يراها من وصل إليها بعد سنوات من العمل؟
في الوقت الذي ينتظر فيها الكثير من الموظفين “مرحلة التقاعد”، حيث يعتبرونها الأجمل في حياتهم لما تحمله من استقرار وحرّية تامة في الحركة وحتى الأعمال، غير أنها تعتبر لدى الكثيرين من أكثر مراحل الحياة صعوبة، حيث تتحول حياتهم لعصبية دائمة “معتقدين أنهم باتوا غير نافعين”، دون أن يعلموا أنها أجمل أيام العمر لتحقيق الكثير من الأمور التي حلموا فيها.
وتحدث أحد المحالين إلى التقاعد، أنّ التقاعد مرحلة طبيعية من الحياة، ويجب على كل موظف أن يكون مستعداً ليكون متقاعداً.
وقال آخر، لصحيفة “تشرين” الرسمية، أنه وبعد أن تقاعد من عمله شعر بأنه على الهامش، وأصبحت تظهر عليه أعراض اليأس والاكتئاب، مضيفاً، غدت حياتي مملة لا فائدة من وجودي، احترام الآخرين قلّ عندما فقدت ميزات وظيفتي بعد التقاعد، والأيام تمضي متشابهة لم أعد أشعر بأهمية الوقت، فيما اقتصرت حياتي على إيصال أحفادي إلى المدرسة وتسديد الفواتير وشراء مستلزمات البيت، أهملت نفسي كثيراً حتى أصابني مرض الضغط.
ووصفت سيدّة أخرى تقاعدت منذ عدّة أشهر، الحياة بأنها مملة، قائلة، لم أعد أعمل فقد كان العمل يملأ وقتي كله، مضيفة، أنّ المتقاعدين يفقدون أدوارهم أيضاً كأرباب أسر، ويفقدون رعايتهم لأبنائهم لأنهم أصبحوا يملكون قراراتهم ويديرون شؤونهم بعيداً عن الأب والأمّ.
في المقابل، روى شخص آخر، أنه وبعد إحالته إلى التقاعد، قرر أن يستثمر محلاً تجارياً ليسانده في ظل الظروف الاقتصادية من جهة، وليملأ وقت فراغه من جهة ثانية، مؤكّداً أنّ التقاعد بالنسبة له هو بداية الحياة.
فيما اعتبر متقاعد آخر كان يعمل مدرساً للغة العربية، أنّ كل من يستطيع العمل يجب ألّا يتقاعد، مضيفاً، أنه قرر بعد التقاعد العمل في معهد خاص.
من جهتها، أشارت اختصاصية الصحة النفسية الدكتورة “غنى نجاتي”، إلى أنّ الفراغ المفاجئ الذي ينتج عن التوقف عن العمل، وعدم وجود بديل مخطط له يجعل المرء يتخبط في ملء فراغه، أو يشعر بالملل والكآبة، لذلك فإنّ معرفة موعد التقاعد أمر ضروري، فبإمكان الشخص التخطيط لمرحلة التقاعد قبلها بفترة جيدة مشركاً في ذلك أفراد أسرته والأشخاص المهمين في حياته، متخذاً في ذلك تخطيطه المالي وإمكاناته المادية.
وأضافت “نجاتي” لـ “تشرين” الإنسان يحس بقيمته من خلال العطاء والإنتاج الذي كان ينتجه؛ فإحساسه بأنّ هناك روتين معين يمارسه كل يوم يجعله يحسّ بالراحة، وهنا بعد مضي ثلاثين عاماً يجد الشخص نفسه قد تقاعد من عمله وصار مكانه المنزل؛ وهذا التغيير غير مرحب فيه لدى كثير من الأشخاص الذين وصلوا إلى سن التقاعد؛ ويسبب لديهم تغيير في المزاج واضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب والخوف من فقدان الأهمية الذاتية؛ والإحساس عند بعض كبار السن بالعدوانية كرد فعل بأنّ سلطتهم لم تعد موجودة حتى لوكان عملهم بسيط.
وأشارت “نجاتي”، إلى أنّ هناك الكثير من المتقاعدين يراجعون العيادات “لا يأكلون ولا ينامون”، ولديهم اضطراب في المزاج، والسبب إحالتهم إلى التقاعد وخروجهم من الدائرة الاجتماعية التي كانوا ينتمون إليها.
اقرأ أيضاً: نساء يقتحمن مهناً كانت حكراً على الرجال.. باحثة اجتماعية تقترح حلاً في ظل الظروف الراهنة
وأوضحت اختصاصية الصحة النفسية، أنه ولتفادي المرور بهذه الحالات، يجب التشجيع على ممارسة أعمال فيها عطاء ولو كانت براتب زهيد كتدريس محو الأمية في مؤسسة خيرية؛ والإشراف على بعض العمال، وهو نوع من العلاج يُطلق عليه (العلاج بالعمل)، حيث يشعر المتقاعد بأنّ تقديره لذاته قد عاد وينعكس إيجاباً على النسق الأسري، لأنه يشعر بالأمان النفسي والاستقرار الانفعالي.
ونحن بدورنا نؤكّد أن كلمة “متقاعد” ليست كما يعتقد الكثيرون بأنها تحمل طاقة سلبية، ونرى أن طموحات الإنسان وقدراته لا تقاس بعدد السنين، بقدر ما تقاس بإرادته، ونشدّ على أيدي المتقاعدين، فنحن جميعاً بحاجة لسواعدهم في كل الميادين والمجالات، وهذا الأمر “بدء حياة جديدة للمتقاعدين”، بحاجة أولاً وآخراً لدعم كبير من المحيطين بهم، والتأكيد على حاجتهم لهم ولقدراتهم، كما كانوا على الدوام.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع