“المحاشي والكبب” تغيب عن المطبخ .. والعائلات تشكو تغير عاداتها في شهر رمضان
مدينة حلب الشهيرة بمطبخها الشهي والمتنوع لم تعد “أم المحاشي والكبب” أقله خلال شهر رمضان الكريم بعد ما فرض الغلاء كلمته على أغلب البيوت، التي اضطرت لتغير عاداتها وطقوسها، بحيث لم تعد قادرة على عد العدة وتخزين السلع الأساسية بكميات كافية، فاليوم تبدلت الحال وأصبح الشراء بالكيلو وتجهيز “السفرة” الرمضانية كل يوم بيومه وحسب ما يتوفر في الجيب.
طقوس ولت…!
تغير عادات أهل حلب خلال شهر رمضان أكدته السيدة السبعينية ضياء فتال بقولها: ارتفاع أسعار السلع الغذائية أثر علينا، لذا بتنا نختصر الكثير من الطبخات ونقتصر على طبخة واحدة، التي تكلف رقماً كبيراً، فاليوم مثلاً “المجدرة” أكلة الفقير صارت أغلى من الكبب، واللحوم والفروج اصبحا حلماً لبعض العائلات”.
وتضيف، العزائم ستغيب عند أغلبية البيوت الحلبية، بسبب تكلفتها الباهظة، وأيضاً أكل الحلويات التي تعد من العادات المحببة بعد الإفطار، أو قد تضطر ربة المنزل لإعداد قالب “كاتو” أو أي نوع من الحلويات منخفضة التكلفة”، مشيرة الى أن الغلاء يتضخم في سورية دون غيرها من البلدان، فليتر الزيت في ألمانيا كما أخبرها ابنها لا يتجاوز 3500 ليرة، كيف يباع عندنا بـ 15 ألف ليرة؟ تضيف” الله يرحم أيام كانت سورية أرخص بلد واليوم تعد الأغلى”.
وتتفق معها (ضحى) حلبية لديها عائلة مكونة من 5 أشخاص وتقول: إن الغلاء غير العادات الحلبية في شهر رمضان وإنه قبل الحرب وحتى في أشد سنواتها قسوة كنا نتحضر لاستقبال شهر رمضان عبر تجهيز “مونة” كافية لتحضير مأكولات المطبخ الحلبي كالكبة والسفرجلية والمحاشي واللحمة بكرز وغيرها لكن اليوم نشتري بكميات قليلة مع حذف الكثير من المأكولات، فتكلفة الطبخة اليوم تقارب 100 ألف ليرة.
في حين اشتكت السيدة سهى نقش كم من استعار أزمة الغاز، وتتساءل كيف يمكن لأي ربة منزل أن تتدبر نفسها والغاز مفقود؟ فالأسطوانة يتجاوز سعرها 125 ألف ليرة، وحتماً في شهر رمضان قد تضطر العائلة لطبخ أكثر من طبخة وإن كانت “من قريبه” وليس كما اعتاد أهالي حلب.
لو الغني ..!
ارتفاع أسعار السلع الجنوني بالتزامن مع قدوم شهر رمضان عبر جولة على أسواق مدينة حلب الموجودة في مناطق مختلفة، حيث بدا الركود والجمود واضحين، فالسلع متوفرة بكثرة لكن المواطنين غير قادرين على الشراء بسبب قوتهم الشرائية الضعيفة وغلاء يطيح بكل الحلول بينما تفصح الوجوه عن حالة من التذمر والسخط لما آلت إليه مدينة حلب وكيف أصبح أهلها عاجزين عن شراء احتياجاتهم الأساسية.
الرجل الخمسيني وليد عدل “موظف قطاع الخاص” يرفع صوته عالياً للمطالبة بوقف جنون الأسعار، الذي عجز معه عن تأمين الحد الأدنى من مستلزمات شهر رمضان الكريم، ما سيضطره للاعتماد على صدقات المحسنين ومبادرات الخير أو الاستدانة من الأهل أو الأصدقاء، متمنياً أن يكون موظفا في القطاع العام للحصول على قرض السلع الغذائية.
الواقع الصعب الذي تعيشه العائلات الحلبية أشارت إليه سيدة كانت تتسوق في سوق باب الجنين الشعبي، الذي تعد أسعاره أقل من غيره، بقولها: يمر شهر رمضان الكريم في ظروف قاسية ستحرم عائلات كثيرة من عيش طقوسه لناحية لمة العيلة وطبخ الأكلات المعروفة وحتى أكل الحلويات والفواكه بعد الإفطار، متمنية إنهاء هذه المعاناة بإيجاد حلول تنصف مدينة حلب التي تعاني كثيراً هذه الأيام.
بالمقابل تؤكد السيدة أم محمد من العائلات الحلبية القديمة، أن الغلاء حرم عائلات كثيرة من عيش طقوس رمضان الكريم لكن هناك عائلات أخرى قادرة على شراء كل السلع حتى لو ارتفعت أسعارها أضعاف ما هي عليه الآن، لتنهي حديثها بالقول: لو ساعد الأغنياء الفقراء لما وصلنا إلى هذه الحال الصعبة.
حتى “المصقعة”!
ورغم الغلاء، الذي يكسر ظهور الأسر المحدودة الدخل والفقيرة لكن التجار أصروا على زيادة أسعارهم مرة جديدة قبل شهر رمضان الكريم، حيث سجل كيلو الفروج سعر 11 ألف ليرة واللحوم 30 ألف ليرة، بينما تجاوز ليتر الزيت النباتي إن وجد 17 ألف ليرة والسمنة 35 ألف ليرة، والبرغل بحدود 6 ألاف ليرة، أما الخضار التي كانت تهرب العائلات إليها من أسعار اللحوم فكانت الأكثر مرارة، فالفاصولياء الخضراء وصل سعرها إلى 16 ألف ليرة، والبطاطا “أكلة الفقراء” وصلت إلى 2500 ليرة والبندورة بـ4000 ليرة والفليفلة بـ4200 ليرة، وتؤكد احدى السيدات الطاعنات في السن عند تسوقها في السوق الشعبي بمنطقة الرازي، أنها لم تعد قادرة حتى على إعداد طبخة “المصقعة” التي كانت تعد من أرخص الطبخات.
أما أسعار التمور، التي تعد من الأصناف الأساسية في كل بيت حلبي فحلقت إلى أسعار خيالية لتباع بين 7 آلاف و20 ألف ليرة حسب نوعها وجودتها، والحلويات تجاوزت كل الحدود بعد ارتفاع مستلزمات صنعها، إذ بلغ سعر أقل صنف من الحلويات 13 ألف كالبرازق والبيتفور، ما اضطر عائلات كثيرة لإعدادها منزلياً بغية تخفيض التكلفة وإن كانت الكهرباء غائبة والغاز مقطوعا.
تجار يبررون والرقابة نائمة
حجج غلاء أسعار السلع خلال شهر رمضان كانت جاهزة عند أصحاب المحال والتجار عموماً، حيث حضرت الحرب الروسية- الأوكرانية والحصار على ألسنة أغلبهم، بينما وضع آخرون الحق على ارتفاع تكاليف النقل والشحن، وآخرون على تجار الجملة واحتكارهم السلع، لكن تبقى المشكلة الأساسية في ضعف الرقابة وعدم المقدرة على محاسبة المخالفين وضبط تجاوزاتهم، وهنا يؤكد عمار حريتان (بائع مختص ببيع السلع الغذائية والأجبان والألبان) أنه حافظ على أسعاره وخاصة أنها كانت مخزنة في مستودعه لكن بعض السلع كالأجبان والألبان ارتفعت نظرا لارتفاع أسعار الحليب، مؤكداً أن العائلات الحلبية لم تعد تأخذ كميات كبيرة وتمون كالسابق، إذ باتت تكتفي بحاجتها اليومية بسبب الغلاء وعدم توفر الكهرباء كي لا تخرب “المونة”.
غلاء طبيعي!
الفوضى العارمة في أسواق مدينة حلب وارتفاع أسعار السلع لحظياً يدللان على تحكم التجار بإدارة هذه الأسواق وضعف الرقابة التموينية عليها في ظل نقص عدد المراقبين وعدم القدرة على تغطية كامل المساحات، حيث أشار مدير التسعير في مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بحلب ممدوح ميسر الى أن المديرية تركز على الأسواق الشعبية والرئيسية مع مراقبة المواد الأساسية والخضار والفواكه من خلال تداول الفواتير والإعلان عن الأسعار، لكن الأهم برأيه توافر السلع.
واعتبر أن الغلاء طبيعي بحكم تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، لكن ارتفاع أسعار الخضار سببه موجة الصقيع وخاصة أن الخضار أغلبها مزروعة في بيوت بلاستيكية في الساحل، إضافة إلى ارتفاع أجور النقل والحمولات.
وأشار ميسر إلى أن المشكلة الأساسية تكمن بضعف القوة الشرائية من دون نكران وجود ضعاف نفوس يستغلون حاجة الناس وتداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية وحتى شهر رمضان الكريم، لذا سيتم تشديد الرقابة على الأسواق عبر زيادة عدد الدوريات، مشدداً على أهمية مبادرة المواطنين إلى تقديم الشكاوى لمساعدة الرقابة التموينية على ضبط الأسواق ومحاسبة المخالفين.
تشرين