العنف الأسري ظاهرة تتنامى بفعل الحرب.. فهل من رادع قانوني أو أخلاقي؟
اعتداء بالضرب أو اللفظ وخروج عن سلوك الطبيعة البشرية، تعامل غير مهذب على خلاف المعايير التي اتسمت بها الأخلاق العامة، حالات من العنف أشبه بحالات افتراس أو انقضاض لحيوان على فريسته للنيل منها، لا بل تعدت حدود المعقول لدى البعض باتخاذ تدابير خاصة بهذا السلوك دون رادع أخلاقي أو مجتمعي.
التربية المنزلية
ولعل ما يدور في فلك الأسرة من ضغوط يومية يعيشها كافة الأفراد، كانت السبب لدى البعض في دخول متاهات غير مسؤولة، لتغدو السبب المباشر للخروج عن المألوف في التعامل بين أفراد البيت الواحد، فالضرب المُبرح من الأم لأولادها نتيجة تقصيرهم الدراسي ليس مقبولاً.
لا بل صُنف كنوع من الرُهاب والتعنيف للطفل، في وقت من المفروض اللجوء به لأساليب عمل وتربية تحدد نتيجة الفعل السلبي للطفل وتعمل على الحد منه، وهنا يمكننا القول بأن سلوكيات الأب والأم تجاه أطفالهم هو المؤشر لميولهم المستقبلي، بما يحملونه من قيم الخير والشر والعنف والسلام الداخلي.
وأمام ما تعنيه الأسرة بصفتها الحلقة الأولى لنشأة الطفل من معايير للسلامة النفسية، تبرز قيمة الاحترام فيما بينها والخوض في غمار التربية المثالية التي لابد وأن تثمر باتجاهات وسلوكيات مختلفة.
فما يحويه الفرد من مشاعر دفينة تسوقه لأفعال عدة وليدة المحيط الذي نشأ وترعرع فيه، هو السبيل لانحرافه أو تقويم مساره، فالقناعة وطيب الخلق ستخلق فرداً متزناً لا محالة، بينما للتمرد أصوله المرتبطة بالشخص الذي يسعى الطفل لتقليده.
ظروف خارجية
إلا أن الفرد بطبعه كائن اجتماعي ولا يستطيع العيش بمفرده، هذا ما أكده علم النفس في تشخيصه للعديد من الحالات الشاذة اجتماعياً، والتي سلكت طرقاً خاصة بها فاحتوتها تجارب عدة من الألم العميق، ترجمته العديد من السلوكيات الخاطئة في المجتمع.
فالشارع والمدرسة وحتى العمل هم بيئة جاذبة للطفل، ومن البديهي اكتساب صفة العنف منها في حال وجودها، والتي باتت بأشكال عدة كالصراخ والضرب والتمرد ومن ثم تطبيق هذه السلوكيات كأفعال ضمن المنزل.
وما يؤكد تأثير هذه البيئة في حياة الفرد ضمن أسرته هو الحالات الكثيرة التي سجلت في الآونة الأخيرة من جرائم عائلية وعمليات خطف وتعنيف نالت استنكاراً من كافة أطياف المجتمع.
في حين أن هذه الحالات لم تكن الأولى وليست الأخيرة، فيما لو لم تتخذ تدابير مجتمعية للتوعية بضرورة مناهضة العنف بأشكاله كافة، لا سيما الموجه منه، كالتي تحدث بين الزوجين وبين الأطفال والأهالي، لتبقى المرأة رمز العنف الأسري، والتي احتوت نماذج لنساء عاشت طيلة حياتها تحت ضغوط العادات والتقاليد البالية والمعتقدات التي منحت الحق للبعض لإذلالها بمجرد كونها أنثى.
وأمام الجدل الكبير الذي تعيشه قضية العنف الأسري وتأثيرها على التحصيل العلمي للطفل والتربية الصحيحة للمرأة، يتساءل البعض فيما لو كان الرجال يتعرضون للعنف أيضاً؟ كون معظم الحالات تؤكد ضعف المرأة أمامهم.
حقوق ضائعة
وأمام ما تشهده البلاد من ارتفاع لمؤشر الجريمة، والتي نسبها البعض لتبعات الحرب، نجد بأن غالبية المهتمين بالشأن القانوني والنفسي يؤكدون بأن ما لحق بالمجتمعات العربية من جهل وتخلف وفقر، هي البيئة المغذية لهذه الظاهرة.
والتي تستدعي استنفار العديد من الجهات المسؤولة عن سلامة المجتمع، فيما يبقى استهداف المرأة بشكل أكبر هو الخطر بحد ذاته حسب توصيف المحامية “سناء المحاميد”، فهي الأم والأخت والزوجة والابنة، وتشكل العمود الفقري للمجتمع، والأكثر عرضة للتعنيف من غيرها.
وهنا تتساءل “المحاميد” هل باتت حملات التوعية التي حملت شعارات مناهضة لما تتعرض له النسوة وعبارات مشجعة على مواجهة واقعها بقوة وعزيمة كافية لحل المشكلة؟ أم أنها لن تتعدى زمن انتهائها والاحتفاظ بشعاراتها كعناوين موسمية للتذكير بها فقط؟
منوهة إلى أنه وفي النظر إلى قانون العقوبات السوري نجد بأنه انطلق بآليات التجريم والعقاب في جرائم العنف عموماً من الدستور الذي نص في مادته رقم 33 على أن “الحرية حق مقدس وأن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”.
كما أن المشرع قنن جرائم خاصة بالمرأة كجرم الاغتصاب ومراودتها عن نفسها والدخول إلى أماكن خاصة بالنساء.
إلا أن القول بأن القانون وحده يكفي لمعالجة هذه الظاهرة أمر مناقض للحقيقة، فالأمر يحتاج جهود المجتمع بكل أطيافه، سواء الأهل أو المدرسة أو المجتمع المحلي والمنظمات والجهات المعنية، بالإضافة لتفعيل التوعية والطرق الوقائية الأخرى.
بارعة جمعة – كليك نيوز
اقرأ أيضاً: طقوس الزواج.. محاكاة للماضي وتعدٍ على المستقبل