إزالة الأصفار من الليرة السورية.. خبيرة اقتصادية توضّح فعالية الخطوة في ظل الظروف الاقتصادية القائمة
إزالة الأصفار من الليرة السورية.. خبيرة اقتصادية توضّح فعالية الخطوة في ظل الظروف الاقتصادية القائمة
بات الحديث عن ارتفاع سعر الصرف في سورية ومعه ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات، الشغل الشاغل لجميع المواطنين، وخبراء الاقتصاد، لا سيما بعد حالة التضخم التي وصلتها البلاد والتي تسببت بشلل شبه تام في حركة الأسواق.
هذه الواقع، فرض العديد من الأسئلة، حول دعوات بعض الخبراء لتعويم الليرة وحذف أصفار من العملة، والتي يعتقد البعض أنها سياسات ناجحة لإنقاذ الاقتصاد، حيث تعبر أكثر عن القيمة الحقيقية للسلعة ويريح الزبون نفسياً في تقبل الأسعار الجديدة.
وفي هذا السياق، عرّفت الباحثة الاقتصادية الدكتورة “رشا سيروب” سعر الصرف بأنه سعر عملة دولة ما بالنسبة لعملة دولة أخرى، مشيرة إلى أنه عند تغير سعر الصرف يُقال إنه حدث ارتفاع أو انخفاض في العملة المحلية مقابل انخفاض أو ارتفاع في العملة الأجنبية.
وأشارت “سيروب” في حديث لصحيفة “الوطن” إلى أن تحديد سعر الصرف يكون بناء على نظام الصرف الذي تتبعه الدولة، لافتة إلى أن اﻟﺘﺠﺎرب الدولية تشير إﻟﻰ أنه ﻻ يوجد معيار ﻣﺤدد لعملية ﺗﺒﻨﻲ ﺳﻌﺮ اﻟﺼﺮف ﻣﻦ الدول، ﻷن عملية تبني ﻧظام ﻟﺴﻌﺮ اﻟﺼﺮف ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﺜﻮاﺑﺖ واﻟﻤﺤﺪدات الهيكلية الاقتصادية، وﻛﺬﻟﻚ مجموعة من اﻟﻌﻮاﻣﻞ الخارجية.
وقالت الباحثة الاقتصادية، يوجد عدد ﻣﻦ الأنظمة اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ التي تتراوح بين ﻧﻈﺎم ﺳـﻌﺮ اﻟﺼـﺮف المرن وﻧﻈﺎم ﺳـﻌﺮ اﻟﺼـﺮف الثابت، وﻟكل ﻧظام بيئته الاقتصادية اﻟﺨﺎﺻﺔ.
وأضافت، في نظام الصرف المرن، تلعب آلية السوق دوراً ﻓﻲ تحديد ﺳـﻌﺮ اﻟﺼـﺮف، وينقسم هذا النظام إلى فرعين، الأول نظام الصرف العائم Floating، وفيه يتحدد سعر الصرف بناء على العرض والطلب وكأن العملة سلعة، عندما يزداد الطلب على العملة يرتفع سعرها، وهو النظام الذي تطبقه معظم الدول المتقدمة “ليس جميعها”.
أما الفرع الثاني، فهو نظام الصرف الموجه أو المدار، حيث يكون سعر الصرف فيه محدد بناء على العرض والطلب، لكن يُسمح لسعر الصرف التقلب في هوامش معينة والسماح بتحرك سعر الصرف إلى قيمة توازنية جديدة.
وأشارت “سيروب” إلى أنه وعندما يتجاوز تذبذب سعر الصرف هذه الهوامش يتدخل المصرف المركزي كبائع أو شارٍ للعملة، كي يعيد سعر الصرف إلى قيمة توازنية جديدة تضمن اﻻﺳﺘﻘﺮار وﺗﺠﻨﺐ اﻟﺘﻀﺨﻢ اﻟﻤﻔﺮط ﻗﺪر اﻹﻣﻜﺎن.
أما فيما يتعلق بنظام الصرف الثابت Fixedأو Pegged، فيسيطر عليه المصرف اﻟﻤﺮﻛﺰي ﺑﺪرﺟﺔ كبيرة، بحسب الخبيرة “سيروب”.
اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة: العائلة السورية لا تستطيع تحمل تكلفة وجبة واحدة يومياً.. البرلمان في إجازة!
وأشارت الباحثة الاقتصادية، إلى أن سعر الصرف يُحدد بقرار من السلطة النقدية بصرف النظر عن العرض والطلب، حيث يتم ربط سعر الصرف الرسمي للعملة المحلية بعملة دولة أخرى، وتعتبر عملتا اﻟﺪوﻻر الأميركي واليورو ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻌﻤﻼت اﻷجنبية اﻟﺘﻲ يتم ﻣﻘﺎﺑلها تثبيت ﻋﻤﻼت دول اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻷﺧﺮى، أو مقابل سلة من العملات “تتحدد حسب الشركاء التجاريين”، أو مقابل حقوق السحب الخاصة “وهي عملة حسابية أصدرها صندوق النقد الدولي وتشمل عملات جميع الدول المساهمة في الصندوق”.
وأشارت “سيروب” إلى أن التقرير الاقتصادي العربي الموحد إلى أن عدد الدول العربية التي تتبع نظام الصرف الثابت هي 13 دولة من بينها سورية ولبنان والأردن.
وأضافت، بالنسبة لسورية فإنها تثبت الليرة السورية مقابل حقوق السحب الخاصة، بينما يثبت لبنان سعر الليرة اللبنانية مقابل عملة الدولار الأميركي، وتطبق 6 دول عربية نظام الصرف الموجه منها مصر وتونس والجزائر، ويوجد دولة عربية واحدة تطبق نظام الصرف العائم وهي اليمن.
أما تعويم الليرة السورية أو تحريرها، فيعني بحسب الخبيرة الاقتصادية “سيروب” تطبيق نظام الصرف المرن، بحيث يتحدد سعر الصرف بناء على العرض والطلب.
وأضافت، للتعويم متطلبات من أهمها وجود وفرة في الاحتياطي الدولي من العملات الأجنبية والذهب كي يتمكن المصرف المركزي من التدخل كبائع للعملات الأجنبية “ضخ حاجة السوق من القطع الأجنبي” عند حدوث تذبذب غير مقبول في سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.
كما أن التعويم، يتطلب بحسب “سيروب” وجود سوق للنقد الأجنبي على درجة كافية من السيولة والكفاءة تسمح باستجابة سعر الصرف لقوى السوق، ويعمل على تخفيض عدد موجات التقلب المفرط.
وأضافت، يتألف سوق النقد الأجنبي من سوق لتداول العملة بالجملة بين الوسطاء المعتمدين “عادة المصارف والمؤسسات المالية” وسوق للتداول بالتجزئة حيث تتم المعاملات بين الوسطاء المعتمدين والعملاء النهائيين “الأفراد والشركات”.
وقالت “سيروب” إن التعويم يعني مزيداً من انهيار سعر صرف الليرة السورية إلى مستويات لن تتمكن الدولة من ضبطها.
وأشارت إلى أن الطلب على الدولار الأميركي مرتفع جداً ولا يوجد قدرة على ترميم المستنزف من الاحتياطي نتيجة ضآلة الصادرات وضعف السياحة وعدم القدرة على الاقتراض من المؤسسات الدولية أو الدول بسبب العقوبات الدولية، وفي ظل فقدان الثقة بالليرة السورية، كل ذلك أفقد مصرف سورية المركزي السيولة الدولارية التي يحتاجها لمواجهة المضاربة على الليرة السورية.
وبخصوص سياسة حذف الأصفار، أوضحت “سيروب” أنه ليس سياسة اقتصادية، بل هو مجرد إجراء فني تقني يتمثل بالتخلي عن عملة قديمة وظهور عملة جديدة، وبالتالي نجاح تطبيقه مرهون بـنجاعة السياسات الاقتصادية التي تترافق أو تسبق هذا الإجراء الفني.
وأضافت، أظهرت التجارب الناجحة للدول التي لجأت لهذا الإجراء (رغم ضآلتها مقارنة مع التجارب الفاشلة) بأن أفضل وقت للتنفيذ هو بداية النمو الاقتصادي بعد معالجة مسببات التضخم المتمثلة في زيادة الإنتاج المحلي والصادرات واستقرار سعر الصرف والحد من المستوردات، ودون ذلك سيعود التضخم أقسى من السابق وستظهر مشكلة الأصفار من جديد.
وختمت “سيروب” بالقول، بأنه وباعتبار أن الاقتصاد السوري لم يبدأ بعد بالتعافي مع ارتفاع مستمر ومزمن في الأسعار وعدم استقرار في سعر صرف الليرة السورية، إضافة إلى الإفراط في المعروض النقدي الناجم عن سياسة التمويل بالعجز.
فضلاً عن غياب وضعف الثقة في أي قرار حكومي، لهذا لن يكون قرار إزالة الأصفار من الليرة السورية غير فعال فقط، بل سيكون مجازفة خطيرة للاقتصاد، وسيتفاقم الوضع الاقتصادي ليصبح أكثر سوءاً.
يذكر أن معدل التضخم في سورية، بين عامي 2011 و2021، بلغ وفقاً للكتاب السنوي للمكتب المركزي للإحصاء 3852.29 بالمئة، أي إن الأسعار تضاعفت بما يقرب من 40 ضعفاً.
وقدرت وزارة المالية في بيانها المالي معدلات التضخم لعام 2022 بـ 100.7 بالمئة ولعام 2023 بـ 104.7 بالمئة، وبذلك يكون معدل التضخم بين عامي 2011 و2023 قد بلغ 16137.32 بالمئة، والأسعار ازدادت بما يتجاوز 161 مرة.
وأمام موجات الغلاء وارتفاع الأسعار والتضخم، وتغيرات سعر الصرف، بقي الشارع السوري، يتساءل يومياً عن سبب غياب الحكومة عمّا يحدث، وما سبب تجاهلها حال الناس لهذا الحدّ؟
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع