تفجير المنطقة الجنوبية.. خطة مفضوحة
تفجير المنطقة الجنوبية.. خطة مفضوحة
على عكس المناطق الأخرى التي شملتها التسويات والمصالحات، بقيت بعض المناطق الجنوبية في درعا والقنيطرة المفتوحة على استخبارات العدو الإسرائيلي وعلى الحدود الأردنية وبعض أرياف السويداء المفتوحة على البادية السورية حيث تنتشر قوات الاحتلال الأمريكية في قاعدة التنف العسكرية تشهد هجمات إرهابية متكررة ضد سيارات الجيش العربي السوري وضد المدنيين.
استعادت وحدات الجيش العربي السوري سيطرتها على المنطقة الجنوبية وأعادت فرض الأمن والاستقرار فيها عام 2018 بعمليات عسكرية جراحية ضد التنظيمات الإرهابية التي سيطرت على المنطقة بدعم غربي – إسرائيلي لسنوات، وترافقت تلك العمليات بتسويات ومصالحات استكملت عام 2021 في حي درعا البلد وطريق السد وسط المدينة، لكن يبدو أن تلك المصالحات لم تعط النتائج المرجوة منها.
إذ لا يكاد يمر أسبوع دون أن نسمع خبر انفجار عبوة ناسفة بسيارة مبيت للجيش أو عملية قنص أو اغتيال تنفذها مجموعات مسلحة ضد شخصيات وطنية التي تمثل كيان الدولة من رؤساء بلديات ومخاتير وأمناء فرق حزبية.
لكن هذه الأحداث بدأت في الآونة الأخيرة تأخذ طابع التكرار والدموية، ولوحظ تصاعدها مع تحركين أحدهما يتمثل بتهديدات النظام التركي بشن عدوان على المناطق الشمالية من البلاد، والثاني إطلاق الأردن تصريحات عن ازدياد عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود المشتركة، وإعلان الملك عبد الله الثاني دعمه لإنشاء ناتو شرق أوسطي في ظل حملة ترويج ممنهجة عن انسحاب روسي من المنطقة الجنوبية وسعي إيران لملء الفراغ.
لكن ما الذي يجعل التسويات والمصالحات ناجحة في أرياف الرقة ودير الزور وحلب فيما ما تزال نتائج المصالحات في درعا غير مرضية وتتعرض أسبوعياً لانتكاسات؟
يشكل بقاء بعض المجموعات المسلحة الرافضة للمصالحات في بعض المناطق التي لم تشملها التسويات وانتشار السلاح في أيدي بعض الأشخاص الخارجين عن القانون والمرتبطين بجهات خارجية، مصدر قلق وتوتير للأوضاع في محافظة درعا والقنيطرة المجاورة لها بإيعاز وإيحاء من كيان الاحتلال الإسرائيلي مع استمرار تهريب السلاح إليها عبر الحدود الأردنية، وهي تحتاج لعمليات عسكرية جراحية بين الفينة والأخرى لتفكيك تلك المجموعات والقضاء عليها كلما سنحت الفرصة دون أن تشكل حالة إشغال لوحدات الجيش العربي السوري الذي يركز على معارك أكثر حساسية وخطورة.
تدرك الدولة السورية ومعها الجيش أن محاولة توتير الأوضاع في المنطقة الجنوبية تهدف إلى إشغال الجيش العربي السوري وتشتيت تركيزه بعيداً عن تحركات داعش المدعومة من قاعدة التنف الأمريكية في منطقة البادية وكذلك بعيداً عن العدوان التركي في شمال البلاد.
والدولة تدرك أيضاً أن الوضع في المنطقة الجنوبية هو تحت السيطرة ومطوق بالكامل، وأن هذه الخروقات ورغم الآلام التي تسببها لن تغير في طبيعة السيطرة، والجيش العربي السوري قادر على ضبطها ومعالجتها موضعياً دون أن تشتت تركيزه عن معركة إدلب ومواجهة النظام التركي وبقايا داعش التي تحركها القوات الأمريكية على أطراف البادية في محافظتي دير الزور والرقة.
فما يجري في المنطقة الجنوبية مرتبط بالتهديدات التي يطلقها النظام التركي بشن عدوان على المناطق الشمالية، وهي ليست بعيدة عن التحركات والهجمات الداعشية في البادية، بل هي مفردات الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في سورية التي تهدف إلى جانب تشديد الحصار وإبقاء الضغط على الشعب والدولة ومنعها من التعافي، تشتيت قدرات الجيش العربي السوري على مساحات واسعة للاستمرار بالضغط على سورية وعلى حليفها الروسي الذي يحطم الخطط الغربية في أوكرانيا.
الانخراط الإسرائيلي المتزايد بشن اعتداءات على مناطق في سورية شملت أرياف دمشق وحمص وحماه وطرطوس هي في قلب هذه الإستراتيجية العدوانية الجديدة التي تريد أن تحرف اهتمام العالم عن السياسات العدوانية الغربية والصراع العربي الإسرائيلي، إلى صراع وهمي آخر عمل كيان الاحتلال والغرب على الترويج له مع إيران التي تستخدمها واشنطن “فزاعة” لتخويف دول الخليج واستنفارها ضد جارتها الشرقية.
إن كل ما يجري اليوم في الشرق الأوسط من إعادة خلط الأوراق وتشكيل تحالفات جديدة هو أحد محاور الصراع الغربي- الروسي، بل ربما في صميم هذا الصراع على إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد الذي يولد من رحم أوكرانيا.
عبد الرحيم أحمد