هل تنجح الوساطة الإيرانية في لجم التهديدات التركية؟
هل تنجح الوساطة الإيرانية في لجم التهديدات التركية؟
بعد أشهر من التصريحات النارية، خفت صوت أردوغان العالي حول نيته شن عملية عسكرية بعمق 30 كم داخل الأراضي السورية بحجة محاربة الإرهاب، فهل تنجح التحركات الإيرانية في إيجاد حلول للخلافات السورية – التركية في شمال البلاد في ظل تحكم أنقرة بمساحات واسعة من ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب ودعمها مجموعات إرهابية مصنفة على لائحة الأمم المتحدة للإرهاب الدولي؟
خلال القمة الثلاثية التي استضافتها طهران في التاسع عشر من الشهر الجاري وضمّت رؤساء روسيا وتركيا وإيران بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى طهران، سعت أنقرة للحصول على تأييد البلدين ولو ضمنياً لشن عمليه عسكرية بعمق 30 كم داخل الأراضي السورية بحجة محاربة “الإرهاب” في إشارة إلى ميليشيا “قسد”.
غير أن الرئيس التركي لم يحصل على ذلك، بل على العكس سمع كلاماً حازماً من المسؤولين في طهران وعلى رأسهم القائد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية علي خامنئى برفض أي عمل عسكري داخل سورية، وتحذيراً من تداعيات ذلك على المنطقة، موقف تطابق إلى حد كبير مع الموقف الروسي بالتحذير من تبعات أي عملية من هذا النوع.
القمة جاءت في أعقاب تحركات إيرانية تمثلت بزيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى كل من أنقرة ودمشق مطلع شهر تموز الجاري أعلن خلالها عن مبادرة لحل يضمن مصالح دمشق وأنقرة، يقضي بانسحاب ميليشيا “قسد” التي يتذرع أردوغان بها لشن الهجوم، إلى عمق 30 كم عن الحدود التركية وتسليم المنطقة للجيش العربي السوري.
لكن “قسد” التي أبدت مؤخراً تعاوناً مع فكرة سحب الذرائع من النظام التركي، تبدو مترددة في تنفيذ الاتفاقات مع الدولة السورية، ويزداد ترددها وتنصلها من الاتفاقات في كل مرة تلوح لها واشنطن بدعم وهمي لتقع مرة جديدة فريسة التطمينات الأمريكية الوهمية.
وبالرغم من اعتراف القيادات الكردية بأن حماية الحدود من الهجمات الخارجية من مسؤولية الدولة، لكن ميليشيا “قسد” ترفض إدارة الدولة للمؤسسات الخدمية في المدن والبلدات في الجزيرة السورية والتي سطت عليها الميليشيا بدعم من الاحتلال الأمريكي.
تتداخل العوامل الخارجية بكثافة في شمال سورية وكل طرف يريد سحب البساط من تحت أقدام غيره وترجيح مصالحه على حساب مصالح الشعب السوري، فالولايات المتحدة تدعم ميليشيا “قسد” لاستخدامها أداة في مخططها لضرب الدولة السورية، وتركيا تتذرع بالميليشيا لشن عدوان على الأراضي السورية وقضم المزيد منها وفرض التتريك فيها، في مقابل ذلك تدعم روسيا وإيران استعادة الدولة السورية سيطرتها على المنطقة باعتبار ذلك يشكل عامل أمان واستقرار وضمان لمستقبل المواطنين هناك.
فهل تنجح طهران التي تتحرك بتنسيق عال مع دمشق وموسكو في تقريب وجهات نظر دمشق وأنقرة وتغليب منطق التعاون على منطق التناحر؟ هذا ما عبّر عنه عبد اللهيان، في مؤتمر صحافي مع المقداد في طهران حيث أعرب عن “أمله بأن تجتاز سورية وتركيا هذه المرحلة بسلام وأن تنتبه تركيا لمخرجات قمة طهران” مضيفاً أن في القمة الثلاثية “حاولنا إبعاد الخيار العسكري من سورية والتركيز على الحل السياسي”.
اقرأ أيضاً: قمة طهران.. الهوامش الواسعة
وبالرغم أن سورية تنظر بارتياب شديد حيال كل ما يرتبط بتصرفات وسياسات النظام التركي بعد كل الذي تعرضت له وما تزال من اعتداءات وعمليات طعن تركية، أعربت دمشق عن ارتياحها لمخرجات قمة طهران بحسب المقداد الذي أكد أن القمة خرجت ببيان متوازن ولم يستطع أردوغان “تحقيق الأهداف التي كان يسعى إليها” في إشارة إلى عدم حصوله على “سماح” بعملية عسكرية.
وأكد المقداد أن سورية “مع حل المشكلات، وضد أي تدخل تركي وبناء مستوطنات ومدارس تركية على أراضينا، ونرفض سياسة التتريك ونعتقد أن الأسس الحقيقية للحل في سورية تأتي من خلال رحيل كل القوات غير الشرعية الموجودة على الأراضي السورية”.
لكن النظام التركي وإن خفت صوته حيال العملية العسكرية، يبقى لا يؤتمن جانبه فهو أثبت عبر التاريخ أنه يتحيّن الفرص المناسبة لاستغلالها في سبيل تنفيذ أجنداته العثمانية وما يزال المسؤولون الأتراك يتحدثون عن أن العملية قد تحدث في أي وقت.
فوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو وبالرغم من إقراره بأن هناك بعض الأمور التي تفاهمت تركيا فيها مع الطرفين الروسي والإيراني بخصوص العملية العسكرية شمالي سورية وأن كلا من روسيا وإيران تعارضان العملية، إلاّ أنه أكد أن بلاده “لا تطلب الإذن مطلقا” من أحد.
وفي وقت سابق، قال الرئيس أردوغان إن ملف العملية العسكرية شمالي سورية سيظل مدرجاً على أجندة تركيا إلى حين تبديد مخاوفها المتعلّقة بأمنها القومي.
قد تكون العملية العسكرية التركية تأجلت لكن من يعلم طبيعة النظام التركي يدرك أنه لن يمنع حدوثها سوى القوة المتمثلة بانتشار وحدات الجيش العربي السوري على الحدود واستعادة الدولة سيطرتها على الجزيرة السورية.
عبد الرحيم أحمد