مقالات

ما بين القمة العربية وطهران

ما بين القمة العربية وطهران

 

لم يتسع صدر العرب الرحب بالأجنبي لاستقبال الأشقاء السوريين في قمتهم، بل وضع البعض منهم شروطاً سياسية لإعادة تفعيل العلاقات الثنائية واستعادة سورية مقعدها في الجامعة العربية، شروط هي بالأساس غربية وليست عربية، في الوقت الذي تفتح فيه طهران قلبها وذراعيها لاستقبال المسؤولين السوريين بحفاوة المحب والصديق.

غابت سورية عن القمة العربية الـ 31 في الجزائر بعد تلكؤ العواصم العربية في اتخاذ موقف عروبي حقيقي والتراجع عن مواقفهم السلبية تجاه سورية، وتعنت بعض الدول المسيطرة مالياً على قرار الجامعة المربوط بوتد واشنطن، ما جعل دمشق تُعلم الجانب الجزائري وتعلن عدم رغبتها بإدراج عودتها للجامعة في القمة التي أطلقت عليها الجزائر قمة “لم الشمل” حرصاً من سورية على نجاح انعقاد القمة وتجنيباً لها من التفجير والتلغيم الذي استقرأته ولا تريده للجزائر شقيقة الدم والكفاح.

تعلم دمشق كم حاولت الجزائر الشقيقة تقريب وجهات النظر وتغليب لغة الأخوة والمصالح المشتركة لجسر الهوة بين بعض الدول العربية وسورية، وتعلم حرصها على كل عاصمة عربية وخصوصاً دمشق شريكة الدم والكفاح، وقد قالها وزير الخارجية الجزائري في ختام القمة العربية رداً على سؤال عن تغييب دمشق.. “إن سورية موجودة في قلوب الجزائريين وضمائرهم وعلمها يرفرف في كل ساحات وشوارع العاصمة”، فيما لم يجد الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط حرجاً بقوله تعليقاً على الأمر.. “يافطة سورية موجود في الاجتماع”.. طبعاً يقصد على مقعدها (الفارغ)!

لكن، بنفس الوقت الذي كانت أشغال القمة العربية تنعقد في عاصمة المليون شهيد بغياب سورية، كان وزير الخارجية السوري فيصل المقداد يستقبل بالترحاب في العاصمة الإيرانية طهران لبحث توسيع وتعزيز العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، في إشارة واضحة إلى أن الأبواب الموصدة عربياً لن تربك دمشق كثيراً، وهي التي عانت من ظلم الشقيق وانخراطه في حرب هوجاء استهدفت الروح السورية على مدى عقد من الزمن.

تأخذ بعض العواصم العربية على دمشق علاقاتها المتميزة مع طهران ويعتبرون أن إيران تتمدد في سورية وتتدخل في شؤونها الداخلية.

لكن من أعطى هؤلاء الحق في تحديد من يتدخل في الشؤون الداخلية لسورية؟ وهل هناك جهة رسمية تحدد من يتدخل في شؤون دولة سوى حكومتها الرسمية؟!

لمن يأخذون على دمشق العلاقة الوثيقة مع طهران، نسألهم.. كيف هي علاقاتهم بها؟

نحن نعلم أن العديد من دول الخليج العربي تقيم أفضل العلاقات مع إيران، من قطر إلى الإمارات العربية المتحدة والكويت والعراق.

لماذا حلال على تلك الدول إقامة تلك العلاقات الطيبة مع إيران وحرام على سورية ذلك؟ هل هو القرار الغربي الإسرائيلي؟ إنه كذلك..

لماذا لا تكون أبواب القاهرة والرياض مفتوحة أمام المسؤولين السوريين كما هي طهران؟

ولماذا يتم وضع الشروط التي تشكل تدخلاً في الشؤون الداخلية لسورية؟ هل كي ترضى واشنطن وتل أبيب عن تلك العواصم؟

عندما يغيب الدور العربي الكامل عن العلاقة الرسمية بدمشق وتستعيض عنه الأنظمة العربية بعلاقات غير شرعية مع مجموعات إرهابية مسلحة عبر الحدود التركية، فهذا هو التدخل التخريبي في الشؤون الداخلية لسورية، وهذا هو التدخل الخارجي الذي تعبّر عن رفضه تلك الدول في بياناتها الرسمية!

كيف لبعض العواصم العربية أن تبرر علاقاتها التطبيعية مع عدو الأمة الذي يحتل أرض فلسطين وينكّل بشعبها وتستقبل مسؤوليه على البساط الأحمر، في حين تمتنع عن زيارة دمشق التي لها فضل مشهود على العرب تعليماً وتنمية ودفاعاً عن قضاياهم عقوداً من الزمن؟

كيف يستقيم معهم منطق العلاقات الأخوية والمصالح المشتركة مع عدو يعتدي يومياً على شعب فلسطين وسورية ولبنان ولن يتردد في الاعتداء على أي دولة عربية بذريعة وبدون ذريعة عندما يريد ذلك؟

ماذا ستترك تلك الدول للأجيال القادمة من إرث عروبي؟ هل يعتقدون أنه سيأتي جيلٌ عربي يوماً يعتبر كيان الاحتلال أقرب إليه من دمشق؟! لن يحصل وما يجري في فلسطين شاهد.

لقد أكدت سورية، رغم الجراح التي أثخنت جسدها من بعض الدول العربية، أنها منفتحة على عمقها العربي وأنها لا تتعامل بالانتقام والحقد وتنظر للمستقبل، مستقبل الشعوب العربية، لكنها لن تقبل بإملاء الشروط عليها.

وكما هي لا تضع شروطاً على علاقات الدول العربية بغيرها من دول العالم، فلن تقبل بشروط غربية تأتي عبر عواصم عربية، ولجميع الدول الحق في إقامة علاقاتها السيادية على قاعدة مصالح شعبها.

لقد أضاع العرب فرصة “لم الشمل” في عاصمة التحرر العربي في ذكرى ثورتها المجيدة، وكأنهم لا يريدون للتاريخ أن يدون نقطة مضيئة في ظلام أيامهم السود.

ونأمل ألاّ تضيع المزيد من الفرص والمزيد من الوقت.. فالتاريخ لن يرحم والشعوب كذلك.

كليك نيوز – عبد الرحيم أحمد

اقرأ أيضاً: دمشق وطهران.. عقود من التعاون بمختلف المجالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى