مجتمعمحلي

مهن يطويها الزمن.. عمر الرواس و “رتي السجاد” قصة حب في زمن الحرب

مهن يطويها الزمن.. عمر الرواس و “رتي السجاد” قصة حب في زمن الحرب

 

من معرض حلب الدولي بنسختيه الأولى والثانية ومعرض دمشق الدولي وصولاً إلى مهرجانات “خان الوزير” بحلب، كان حاضراً بنوله الخشبي التراثي وأدواته البسيطة، بدأت مسيرته الحافلة بالعطاء والإرادة الصلبة، التي لم تزل حتى اليوم محركه الأول للاستمرارية رغم الصعاب.

مهنة متوارثة

لم يكن اللجوء لخيار العمل لديه أمراً اختيارياً بل بديهياً بحكم العادة التي درجت ضمن أسرته، تعلم من والده مهنة “رتي السجاد” فغدا ابن الثامنة صاحب مصلحة وعمل، وبالرغم من صعوبتها وحاجتها للوقت والجهد الكبيرين، خاض هذه التجربة بكل محبة لها ولوالده الذي أورثه إياها.

واليوم وبعد بلوغه سن ال 45 عاماً، لم يقف عمر الرواس أمام هذه المحطة، إنما أخذ على عاتقه العمل لإيصال رسالته من هذه المهنة لأبنائه وأحفاده، باعتبارها إرثاً عريقاً للعائلة، ومنعاً من اندثارها.

ولاعتبارها من أقدم الصناعات التي عرفها الإنسان، ومن أساسيات الأثاث في كل منزل، وقابلية تعرضها للتلف الجزئي أو الكلي نتيجة سوء التخزين الطويل، تابع السواس عمله رغم صعوبتها وابتعاد الكثير عنها، لدرجة العزوف عنها.

عمر الرواس و "رتي السجاد" قصة حب في زمن الحرب
عمر الرواس و “رتي السجاد” قصة حب في زمن الحرب

عودة سريعة

شكلت ورشة عمر التي كانت بحوزته هو ووالده وأخيه في سوق (الصابون)، بالإضافة لمحل في سوق (الحراج)، أحد أسواق (المدينة) المتخصص بالسجاد، محطة جذب لاستقبال الزبائن ممن كانوا يقصدون ورشتهم من المحافظات كافة، ومن خارج سورية ومختلف الدول الأوروبية أيضاً.

إلا أن ما وصلت إليه أحوال مدينة حلب بفعل الحرب، لم تكن بعيدة الأثر عن عمر، إنما السبب الرئيس لتوقفه عن العمل قرابة العام، بعد أن فقد معظم البضائع التي كانت ضمن الورشة.

وفي عودة لم تكن ببعيدة لـ “عمر” حملت معها الكثير من الألم نتيجة فقد تعب أعوام بأكملها، بدأ مشواره من جديد ضمن أرصفة أحد شوارع “الفيض”، مستخدماً أدواته: (المخرز والكشتبان والمقص والدفن والجنكل)، واستطاع الحصول على السجاد، ومن ثم البدء من جديد بعملية “الرتي” ولمدة عامين مقابل مبالغ زهيدة، لقاء جذب الزبائن لمهنته من جديد.

عمر الرواس و "رتي السجاد" قصة حب في زمن الحرب
عمر الرواس و “رتي السجاد” قصة حب في زمن الحرب

تطوير العمل

“تمكنت من العودة والنهوض من جديد”، هكذا عبر “عمر” عن عمق فرحته وسعادته بالوقوف مجدداً ومزاولة مهنته المحببة له، وذلك بالعمل على حياكة السجاد والتجارة بالسجادات (العجمية) المستعملة، وصولاً لما هو عليه اليوم.

إلا أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل تابع “الرواس” عمله في ورشة ضمن منطقة “الميرديان”، محققاً نجاحاً كبيراً وشهرة واسعة، امتدت إلى باقي المحافظات السورية، كما شارك بالعديد من المعارض والفعاليات التراثية التي أقيمت في حلب، والتي لعبت دوراً إيجابياً كبيراً في رفد مسيرة عمله.

عمر الرواس و "رتي السجاد" قصة حب في زمن الحرب
عمر الرواس و “رتي السجاد” قصة حب في زمن الحرب

أسرار المهنة

وأمام إصرار “عمر” على استمرارية نهجه مستقبلاً، لم يُخف استعداده لتعليم أي طفل أصول هذا العمل، الذي لم يكن يوماً حكراً على عائلته فقط، كاشفاً ضمن حديثه عن بعض أنواع السجاد الموجود في أغلب المنازل عن خفايا هذا العمل، القائم على ثلاثة أنواع هي، المحلي المتمثل بالحلبي والمعراوي، وشغل معمل “السويداء” والأغلى المستورد العجمي المصنوع بـ “إيران”، إضافة لنوع مصنوع بالأناضول وصيني وأفغاني.

في حين يبقى لتفاصيل العمل بدءاً من استلام القطعة وحتى تسليمها للزبون حكاية أخرى، تبدأ منذ تقييم قطع السجاد الواردة للورشة، والتي تحتوي في أجزاء منها تلف أو رطوبة زائدة أو حريق أو العث أو قد تكون متآكلة بفعل الحشرات، لتأتي هنا المهمة الأكبر وهي معاينة الجزء التالف بدقة، ولكل حالة حلول تناسبها.

وكثيراً ما يكون التلف وسط رسمة أو نقشة السجادة، وهنا لابد من وضع السجادة على النول برأي السواس، واستخدام خيط ما يعرف بـ “سدا” من النوعية نفسها ومن ثم (رتي) السجادة وإعادة الرسمة أو الكتابة المفقودة، فيما يحمل بعض أنواع السجاد كتابات في المنتصف لأسماء أو أبيات شعر أو حكمة أو قصة ما، وهنا تأتي مهمة العامل بإعادة الرسومات والكتابات لوضع السجادة الطبيعي، وفي حال لم نعثر لها على خيط مناسب من السجاد البالي لدينا نقوم بصبغ خيط جديد من نفس اللون.

عمر الرواس و "رتي السجاد" قصة حب في زمن الحرب
عمر الرواس و “رتي السجاد” قصة حب في زمن الحرب

تمسك بالهوية

وأمام عظمة هذه المهنة بنظر “عمر الرواس” وعائلته، لم يعد هناك من يرغب العمل بهذه الحرفة سوى واحد أو أثنين، إلا أن “الرواس” لازال يحرص على تعليم أولاده وأحفاده هذه المهنة الجميلة، بالرغم من قلة صبرهم وتلاشي طاقتهم للمثابرة عليها، واتجاههم للعمل بالأجهزة الالكترونية الحديثة.

وتعتبر مهنة “رتي السجاد” من أقدم المهن التراثية بحلب، وكانت بدأت المهنة بالاندثار نسبياً بعد أن ابتعد العاملين عنها طيلة سنوات الحرب باستثناء البعض ومنهم الحرفي “عمر الرواس”، بفضل صبره وقوه تحمله وعشقه لمهنته ومواجهة كل الظروف والتحديات.

إسراء جدوع – بارعة جمعة – كليك نيوز

اقرأ أيضًا: مشاريع محلية.. سيدات حلبيات رائدات في عالم الاقتصاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى