سورية والعراق.. تحديات وآمال مشتركة
سورية والعراق.. تحديات وآمال مشتركة
لا تختلف التحديات التي تواجهها كل من سورية والعراق، فالبلدين عانيا وما يزالان من الإرهاب، ومن التدخلات الخارجية على شكل احتلال وهيمنة ودعم الانقسامات الداخلية من قبل دول إقليمية وأخرى عالمية، وكلا البلدان يعانيان من تحكم تركيا بمصادر المياه الرئيسية التي تعتبر أساس الأمن الغذائي للبلدين.
تشكل هذه العوامل والتحديات مجتمعة أرضية مشتركة لتطوير التعاون الثنائي لتخفيف حدة تداعياتها على مستقبل البلدين من جهة، ومواجهة المستجدات من جهة ثانية، خصوصاً في ظل التحولات السياسية الإقليمية والدولية التي تفتح نوافذ وقنوات يمكن لها إذا ما تم استثمارها برؤية إستراتيجية مشتركة أن تساهم في التغلب على الصعاب وعلى تلك التحديات المستقبلية.
المتابع لمسار العلاقات السورية العراقية يلاحظ بشكل لا لبس فيه، أن هناك إرادة مشتركة للتعاون والتنسيق حيال مختلف التحديات من أجل تقوية موقف البلدين والمساعدة على وضع تصورات ثنائية وتنسيق عالي المستوى على الصعد الاقتصادية والسياسية التي تصب في مصلحة شعبي البلدين الشقيقين.
وقد أظهر العراق قيادة وشعباً مواقف عروبية وإنسانية متميزة خلال الفترة الماضية، تجلت في أبهى صورها إبان فترة كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب شمال غرب سورية في شهر شباط الماضي عندما تحول الطريق الدولي بين البلدين عبر البوكمال إلى شريان حياة للسوريين المنكوبين.
وسجل العراق أيضاً موقفاً طيباً عندما قاد رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي تحركاً برلمانياً بزيارة وفد الإتحاد البرلماني العربي إلى دمشق قبل عودة سورية لشغل مقعدها في الجامعة العربية.
اقرأ أيضاً: أوروبا وإدمان التبعية
وكان لافتاً الدعم العراقي لجهود استعادة سورية مكانتها العربية ضمن الجامعة وكذلك التعاون الأمني والاستخباراتي والعسكري في مواجهة التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود رغم الامتعاض الأمريكي الغربي.
بالأمس بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع سفير سورية في بغداد سبل تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، في حين تجري التحضيرات لزيارة السوداني إلى دمشق تلبية لدعوة الرئيس بشار الأسد التي نقلها وزير الخارجية فيصل المقداد خلال زيارته إلى بغداد مطلع الشهر الماضي “بهدف البحث في مزيد من آفاق التعاون الثنائي وتنسيق العمل المشترك، نحو ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة”.
فالعراق يعاني كما سورية من تحديات الأمن الغذائي بسبب التبدلات المناخية من جهة وسرقة تركيا لحصة البلدين من مياه نهري دجلة والفرات من جهة ثانية، ما أدى إلى تدهور الزراعة في البلدين وتراجع الأمن الغذائي، الأمر الذي استدعى تعاوناً وتنسيقاً بين المؤسسات المعنية في البلدين لتقوية الموقف الثنائي وتحصيل الحقوق المائية للبلدين من تركيا.
وفي الملف الأمني تحتل تركيا مناطق في شمال العراق وتشن غارات على مناطق أخرى بدعوى استهداف فصائل كردية، كما تحتل تركيا مناطق شمال غرب سورية وتدعم التنظيمات الإرهابية بحجة محاربة ميليشيا “قسد”.
ولن تستطيع سورية بمفردها أو العراق لوحده التصدي للأطماع التركية ومواجهة ممارسات النظام التركي الجائرة، لذلك لابد من بلورة موقف مشترك حيال هذه الملفات لوضع حدٍ للعنجهية التركية وتدخلاتها في شؤون البلدين.
وفي ملف الطاقة ونقل النفط يستطيع البلدان استثمار مواردهما وقدراتهما وموقعهما الاستراتيجي في تصدير النفط العراقي عبر سورية لما له من آثار إيجابية على البلدين من حيث توفير الأموال وتقصير المسافات والزمن بين العراق والسوق الأوروبية وتفادي الابتزاز التركي والهيمنة الأمريكية.
كما يستطيع العراق الذي يسعى ليكون جسر عبور إلى الأسواق الأوروبية عبر شبكة خطوط برية وسككية متصلة مع إيران أن يشكل مع سورية بوابة آسيا إلى أوروبا والمتوسط، الأمر الذي يساعد سورية على كسر الحصار الأمريكي الغربي وتخفيف حدة تداعياته على الاقتصاد السوري ودعم تعافي البلاد الاقتصادي الذي يشكل المدخل الأساس لعودة اللاجئين والمهجرين داخلياً وخارجياً وإنهاء تسيس هذا الملف واستغلاله من قبل القوى الغربية.
يحتاج البلدان بعضهما البعض في ملفات عدة سواء على الصعيد التعاون البيني المشترك أم على الصعيد الإقليمي الذي يرخي بتداعياته على البلدين، خصوصاً فيما يخص التنمية والأمن المشترك ومواجهة الابتزاز التركي ومحاولات التدخل السافرة في الشأن الداخلي لسورية والعراق.
فلا مستقبل آمن لسورية وشعبها بعيداً عن أمن واستقرار العراق والأمر نفسه بالنسبة للعراق، فالجغرافيا والتاريخ يفرضان نفسهما بقوة على المستقبل، وكلما أسرع البلدان في تعزيز تعاونهما المشترك سياسياً واقتصادياً، كلما ساهم ذلك في مواجهة التحديات المستقبلية وتجاوز تداعياتها وتحقيق التنمية المنشودة.
عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع