ستة أعوام من التحرير.. حلب تصنع مجدها
ستة أعوام من التحرير.. حلب تصنع مجدها
بعد تحرير حلب ليس كما قبله.. عبارة عكست الوضع الميداني والسياسي والاقتصادي في سورية منذ عام 2016 عندما حسمت إرادة الجيش العربي السوري المعركة وكسرت أوهام العثمانية الجديدة بالسيطرة على عاصمة الصناعة السورية ورئتها الاقتصادية بما تملكه من قوة صناعية وخبرة جعلت من اسمها ماركة مسجلة على مستوى العالم.
فمن حلب انطلقت سلسة الانتصارات على الإرهاب، وتحولت المدينة بفضل تضحيات أهلها ورجال الجيش العربي السوري ودعم الأصدقاء والحلفاء، من حصار خانق إلى بوابة انتصارات امتدت إلى دير الزور وأرياف حمص ودمشق وإلى درعا والقنيطرة وقلبت الطاولة على قوى الإرهاب ودول العدوان وتغيرت معها خارطة السيطرة العسكرية وتم تطهير مساحات واسعة من الإرهاب.
لقد شكلت حلب التي أرادها محور الإرهاب والعدوان مكاناً لطعن الوطن، مفتاح النصر وإسقاط المخطط الأردوغاني ومعه مخطط العدوان الذي كان يهدف إلى تقسيم سورية.
ففي حلب وقف محور الإرهاب والشر كله ضد محور الخير من أهل المدينة والجيش والأصدقاء والحلفاء، فانتصرت إرادة الخير وإرادة الحياة على لعنة الموت والدمار والخراب.
حلب التي راهن رأس النظام التركي على إسقاطها فريسة للإرهاب عبر حشد عشرات آلاف المرتزقة وتزويدهم بالسلاح لتدمير القلعة الاقتصادية لسورية وسرقة معاملها متوهما أنه بسقوط القلعة يصبح الطريق إلى الجامع الأموي في دمشق مفتوحاً، سقطت على أسوارها رهاناته وأوهامه لأنه لم يدرك أن في حلب رجال من سورية يحموها ويحرسونها بنور العيون وفي حلب رجالات وسيدات يصونونها بقلوب قوية وإرادة لا تلين.
فمن لا يتذكر بطولة الشهيد “باسل قرفول” على جبهة حي الزهراء في حلب؟ ومن لا يتذكر صمود حامية مطار كويرس العسكري؟ وقافلة شهداء مشفى الكندي؟ ومثلها مئات القصص البطولية التي لو كتبت في كتب التاريخ لتحولت إلى منارة تهدي العالم طريق البطولة والوطنية والانتماء، تعلّمهم معنى التضحية والفداء والوفاء.
بطولات كانت الطريق إلى فك الحصار المجرم الذي فرضته قطعان الإرهاب الأردوغانية، وكانت الطريق لكتابة النصر ومسح غبار الحرب ورائحة الدماء والبارود عن مدينة التاريخ، ولتبدأ بعدها عجلة الحياة دورتها مع انطلاق أصوات الأنوال في المدينة الصناعية في الشيخ نجار والعرقوب وهدير محركات الآلات الزراعية في أرياف المحافظة المعطاءة.
حلب اليوم وهي تدخل عامها السادس بعد التحرير ماتزال تعطي دروساً في الإرادة والقوة والتصميم وهي تضج بالحياة والإنتاج وإعادة البناء والإعمار، بعزيمة أبنائها الذين يثبتوا للعالم أن حلب التي تمتد جذورها في التاريخ آلاف السنين عصية الاقتلاع.. عصية على الموت.
عاصمة سورية الاقتصادية اليوم تعيد كتابة التاريخ الذي حاول الإرهاب أن يمحوه، من معابدها الإسلامية والمسيحية إلى أسواقها القديمة وقلعتها الشامخة، إلى حقول القمح والقطن وبساتين الزيتون والفستق الحلبي إلى حقول الذرة إلى مدنها الصناعية وطربها الأصيل، هي حكاية سورية التي تنسج اليوم على أنوالها نسيج الوطن الأقوى والأغلى.
من يزور المدينة اليوم يدرك معنى الحياة وإرادة العمل والإنتاج، فرغم الحصار وشح مصادر الطاقة التي تعاني منها البلاد جراء الحصار وسرقة الاحتلال الأمريكي حقول النفط والغاز، تتواصل ورش الإعمار والترميم وإعادة بناء ما دمره الإرهاب في كل شارع وكل حقل ومعمل.
وتيرة إعادة الإعمار في حلب تسير باطراد في مختلف قطاعات الحياة وشرايين الاقتصاد، التي بدأت بالمدارس والمراكز الصحية والمشافي وشبكات المياه والكهرباء والهاتف ومدنها الصناعية وسهولها الزراعية ومطارها وقطاراتها ومحطتها الحرارية.
فقد شهد القطاع الصحي الذي تعرض لأبشع أنواع الاستهداف الإرهابي بالمفخخات والصواريخ، عودة الحياة لأكثر من 80 نقطة طبية تم إعادة إعمارها وتأهيلها بالتجهيزات الطبية لتقديم الخدمات لأبناء المدينة ولاسيما في مشفى زاهي أزرق ومشفى الرازي ومشفى العيون ومشفى الأطفال ومبنى الطبابة الشرعية.
وأما في قطاع التربية الذي كان على سلم بنك الأهداف الإرهابية فق تم حتى اليوم إعادة تأهيل أكثر من 1700 مدرسة في الريف والمدينة وتم وضعها في الخدمة وهي تقوم بتدريس نحو 700 ألف طالب في مختلف مراحل التعليم ردا على الفكر الظلامي الذي حاول الإرهاب وداعموه تكريسه في مناطق سيطرته.
ولم تتوقف حركة البناء والإعمار بل توسعت لتشمل المدن الصناعية في الشيخ نجار والعرقوب وفي أسواق المدينة القديمة التي تشكل هوية المدينة وروحها.
ومع ترميم سوق السقطية وخان الحرير والحبال والأحمدية وساحة الفستق، بدأت المدينة القديمة تستعيد روحها وعبقها وتنثر رائحة الغار والزعتر.
ولن يكتمل مشهد حلب دون المرور على حقولها، فبعد التحرير تحركت الدولة السورية والأيادي الوطنية لإعادة تأهيل مشاريع الري والزراعة حيث تم إعادة تأهيل شبكات وقنوات الري والضخ لإرواء مئات آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية في أرياف للمحافظة لتعود خضرة تنتج أفضل الغلال وتدعم الاقتصاد الوطني بالمحاصيل الإستراتيجية كالقمح والشعير والقطن والزيتون والذرة.
شرايين الحياة في المدينة كانت أمام تحدي إعادة تأهيل الطرق وربطها من قلب الصناعة إلى أطراف الوطن كافة فتمت أعادة افتتاح طريق حلب – حماة – حمص – دمشق الدولي بعد تأمينه وتأهيله وشبكة الطرق داخل المحافظة إضافة إلى ربط المحافظة بمنظومة الكهرباء بعد تعرض محطتها الحرارية للتدمير بالكامل.
فقد تم تأهيل المجموعة الخامسة في المحطة الحرارية بالتعاون مع الأصدقاء ووضعت بالخدمة إلى جانب أكثر من 2150 مركزاً تحويلياً ومئات الكيلومترات من شبكات التوتر العالي والمنخفض والمتوسط وإعادة الحرارة إلى أكثر من 28 مركزاً هاتفياً من أصل 90 مركزاً تعرض للتخريب والتدمير.
عجلة الإنتاج تحكيها المدينة الصناعية في الشيخ نجار التي عادت أصوات معاملها تعلو بعد إعادة تأهيل أكثر من 760 معملاً للصناعات النسيجية والهندسية والغذائية والكيميائية والبرمجيات ودخولها الخدمة والإنتاج.
ساعة العمل والإنتاج التي دقت منذ تحرير حلب نهاية العام 2016 لم تتوقف ولن تتوقف في دليل على أن مسيرة النهوض والإعمار ستكون قادرة على كسر مخططات الحصار الإرهابي الذي تفرضه الدول الاستعمارية على البلاد، فإرادة السوريين لن تقهرها أي إرادة في العالم مهما امتلكت من قطعان إرهاب أو أساطيل.
عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز
اقرأ أيضاً: قمة روسية سورية تركية.. متى؟