رغم رداءة جودة معظمها.. “الماركات العالمية” في سورية تستغل المستهلك وتستنزف ماله
انتشرت في سورية خلال السنوات الأخيرة، بشكل واسع أسماء للعديد من “الماركات العالمية”، المختصة بالألبسة والأحذية والحقائب والاكسسوارات وحتى الأغذية، وغيرها الكثير من المنتجات، واللافت أن أسعار منتجات هذه “الماركات”، باتت “خلبية”، وقد تكون جودتها “سيئة”، لكن مجرد أنها “اسم الماركة الفلانية”، فهذا مبرر لرفع سعرها!
وما يثير الغرابة أكثر، أن منتجات هذه “الماركات”، تصنّع بأيدٍ وطنية وبمعامل محلية، لكن بإشراف ومتابعة من الشركة الأم، حيث تتدخل عبر مراقبين وخبراء لها يتابعون جودة تلك الصناعة ومتابعتها في الأسواق التي يتمّ توزيعها فيها.
والأمر الذي يؤكده العديد من الصناعيين، أنه وبفضل مهارة الصانع السوري، أخذت تلك الماركات شهرة كبيرة، واستطاعت أن تمثل تلك الشركات الكبيرة، حتى ضاهت في جودتها الشركات الأساسية، ونافستها في مجال التسويق والتوزيع، لكن الحرب فرضت قوانينها على تلك الأسواق، وخاصة في ظلّ الحصار الذي قطع صلة الوصل ما بين تلك الشركات ورعاياها في بلدنا، حيث لم يعد وجودها في الأسواق يحمل تلك الميزات والمواصفات المطلوبة.
وفي هذا السياق، رأى عضو غرفة صناعة دمشق “سامر رباطة”، أن تلك الماركات باتت شبه وهمية، وتعمل ضمن معطيات مختلفة نتيجة شحّ المواد الأولية التي تحتاجها الصناعة النسيجية على وجه الخصوص لتكون مناسبة لمستوى الجودة.
وأشار إلى غياب المتابعة من قبل تلك الشركات نتيجة للفوضى الحاصلة في هذا القطاع من ظروف عمل غير ملائمة لها، بالإضافة إلى صعوبات التسويق والبيع والتزوير الذي يطال تلك الماركات من بعض المنتجين المستغلين لاسم الماركة وإنتاجها بمواصفات لا تتناسب مع ما يمثلها في الأسواق الأخرى.
واوضح “رباطة”، لصحيفة “البعث”، أن غياب حقوق الملكية لتلك الماركات سمح باستخدام تلك الأسماء العالمية واستغلالها دون مراعاة الشروط اللازمة في صناعتها والعبث في مستواها المطلوب والمرغوب لدى الزبائن، وهذا ما تسبّب في إفقادها السمعة الحسنة وخسارة الكثير من الزبائن المهتمين بها ومحبيها.
اقرأ أيضاً: 50 إصابة حتى الآن.. أهالي السقيلبية في حماة يشتكون انتشار اللشمانيا في مدينتهم
ولفت إلى وجود قلّة قليلة من الشركات التي ما زالت تنتج بضائعها في سوقنا المحلية التي استطاعت أن تتجاوز هذه المشكلة وتحافظ على سمعتها، حيث سجلت حماية ملكية لها في البلد وما زالت تراقب منتجها في الأسواق السورية لتحافظ على اسمها وسمعتها أمام زبائنها، ولديها فريق عمل مطلع ومتابع لما يتمّ إنتاجه تحت اسمها العالمي المرتبط بمستوى معيّن لا يسمح المساس به والعبث بنوعيته.
وبحسب المسؤول في غرفة صناعة دمشق، تكمن المشكلة الأكبر لوجود هذه الماركات في سوقنا بتأثيرها على باقي الصناعات التي تحمل أسماء محلية أكثر جودة وأهمية منها، لكنها على الرغم من ذلك لا تستطيع أخذ مكانتها الحقيقية أمام تلك المنتجات التي تستغل أسماء شركات كبرى لتجني أرباحها على حساب المستهلك.
وقال أمين سرّ جمعية علوم الاقتصاد الصناعي الدكتور “فؤاد اللحام”، إن استخدام الأسماء العالمية في الصناعات يدخل أرباحاً كبيرة للمصنّعين لها رغم قلة جودتها وأهميتها فعلياً، وهذا يضرّ بالمستهلك ويصبح سبباً لاستغلاله وارتفاع الأسعار من دون وجه حق، ناهيك عن التزوير الحاصل في تلك الصناعات.
وأوضح “اللحام”، أن هناك جهات عديدة تقع عليها مسؤولية ضبط تلك الحالات، كوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وهيئة الجودة وغيرها من الجهات التي يجب أن يكون لها دور في معالجة تلك المشكلات.
من جهتها، رأت الخبيرة الاقتصادية “نور اللبابيدي”، أنه علينا التركيز في حلّ هذه المشكلة على ما هو مشاع في أسواقنا المحلية.
وأضافت أن دخول البالة وانتشارها بحجة ضعف القدرة الشرائية باتت تضاهي في أسعارها الصناعة الوطنية، وهذا تنافس غير شريف في الأسواق، بالإضافة إلى أن استيراد هذه البالات بالعملة الصعبة يمكن استثماره في توفير مدخلات الإنتاج الصناعي وتوفير المواد الأولية الجيدة للمعامل لدعم مستوى إنتاجها، بحيث تكون منطقية ومعتدلة في جودتها وأسعارها، وبذلك يمكن لنا أن نعيد ألق الصناعة الوطنية والثقة فيها وتوفير فرص عمل حقيقية.
وأكدت “اللبابيدي”، أن ذلك لو حصل يشكل توازناً فعلياً لمواجهة الفساد الحاصل في استغلال الأسماء والماركات العالمية التي تستغل المستهلك وتستنزف ماله، وهي فكرة لا تحتاج إلى جهد أو إمكانيات كبيرة.
وأشارت إلى أن الصناعيين لدينا، وخاصة في مجال الألبسة، لديهم خبرة واسعة في عملهم ولا يحتاج ذلك إلا إعادتهم إلى سابق عهدهم لأخذ مكانهم في بناء هذه الصناعة وتوفير متطلباتها الأساسية ضمن مراقبة الأسواق وإيقاف حالات الغش والتزوير الحاصلة حالياً.
ورأت “اللبابيدي”، أن الشيء الأكثر أهمية، هو إعادة ثقة المستهلك بالمنتج الوطني الذي يلائم متطلباته من جهة وقدرته الشرائية من جهة أخرى، مشيرة إلى أن المستهلك المحلي يحتاج إلى منتج جيد أكثر من المنتج العالمي والماركات المزيفة والمغشوشة ذات الأسعار الخيالية.
ولفتت إلى أنه لا يمكننا تحويل الأزمة الاقتصادية إلى شماعة لنبرر بها أخطاءنا وعجزنا في إيجاد الحلول ومتابعة الفوضى التي تعتبر مفتعلة في الكثير من الأحيان، بل أصبحت وسيلة لخلق مشكلات غير حقيقية من أجل منافع شخصية.
وأكدت “لبابيدي”، أنه يجب أن يكون هناك دراسة حقيقية وعلمية لأسواقنا ووضع النقاط على الحروف بما يؤمّن صيغة واضحة لما نحتاج فعله لإعادة التوازن في أسواقنا، فلسنا الوحيدين الذين تعرّضوا للعقوبات الاقتصادية، وهذه الأزمة عالمية تقريباً، لكن معظم الدول استطاعت تجاوز الكثير من العقبات بجهود محلية واستمرت في صناعاتها وإنتاجها.
يذكر أن سعر المانطو الجوخ في أسواق دمشق “بمحلات الماركات”، يتجاوز 600 ألف ليرة، والجاكيت الجلد 450 ألف ليرة، والبيجاما 550 ألف ليرة، والبنطال 375 ألف ليرة، والكنزة 300 ألف ليرة.
ولم يقتصر الأمر على ملابس الماركات، فحتى محلات البالة والمحلات الأخرى باتت أسعارها خيالية، مقارنة بالدخول الشهرية، ما جعل كسوة العائلات والأبناء “كغيرها”، يكلف ملايين الليرات العصية عن أغلب الأسر السورية.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع