تركيا.. لم تهدأ التهديدات
تركيا.. لم تهدأ التهديدات
منذ أيار الماضي يهدد النظام التركي بشن عدوان واسع على الأراضي السورية لإقامة ما سماه منطقة آمنة بعمق ٣٠ كم على طول الحدود السورية التركية، مستخدماً معزوفة الذرائع والمخاوف التي يسوقها والتي تمنحه إياها الميليشيات الانفصالية، وحتى بعد قمة طهران الأخيرة ١٩ تموز الجاري للدول الضامنة لمسار استانا “روسيا، إيران، وتركيا” فلم تهدأ التهديدات التركية.
الجديد في المراوغة التركية بما يتصل بالتهديدات وشن العدوان وإقامة “المنطقة الآمنة المزعومة” هو التصريحات الصادرة عن أنقرة والاستفزازات المتزايدة والاعتداءات المتكررة على المناطق الحدودية في الحسكة والرقة وحلب، وهو ما يجعل التوتر عنواناً بارزا ينفخ فيه النظام التركي للتلاعب مجددا ولتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية ربما.
إذا كان النظام التركي يعرف حجم المعارضة لإقامة منطقته الآمنة المزعومة حيث هناك – حسب المعلن – عدم موافقة أميركية أوروبية، ومعارضة روسية إيرانية مؤكدة، واستعداد سوري كبير للمواجهة والتصدي للعدوان، فما الذي يريده نظام أردوغان سوى أنه يبحث عن مكاسب سياسية وانتخابية؟.
لقد سمع نظام أردوغان في طهران لهجة روسية إيرانية مختلفة، وإن رسالة انتشار قوات الجيش العربي السوري قبالة المناطق المستهدفة لا بد أنها وصلت، فما هدف التهديد من أن العملية العسكرية “العدوان” ستتم في أي لحظة؟ ومن أنه لا يحتاج الأذن من أحد ليبدأ عمليته العسكرية في العدوان الواسع، سوى أنه يبحث عن ترميم قاعدته الانتخابية ومحاولة التلاعب بالرأي العام التركي؟.
آخر التصريحات الصادرة عن أنقرة حول مطالبة روسيا وإيران الوفاء بتعهداتهما، إلى جانب تصريح وزير الخارجية التركي الذي أعلن فيه الرغبة بالتعاون مع دمشق وتقديم الدعم الممكن لها لاستعادة السيطرة على مناطق “شرق الفرات” هو شكل من أشكال الهروب والتنصل من مسؤولياته.
بل إن المقاربة التي أعلنها وزير الخارجية التركي في المقارنة بين تعاون أنقرة مع طالبان بأفغانستان من دون الاعتراف بها، وبين التعاون مع الحكومة السورية من دون الاعتراف بها، إنما تنطوي على مراوغة جديدة ليست خافية، هدفها البحث عن مكان على الطاولة السياسية لتسويق ما سماه “المعارضة المعتدلة” التي يستضيفها منذ سنوات كذراع أميركي، كما تنطوي على محاولة التدخل المرفوض في شأن سيادي سوري، ذلك بطريقة مغرقة في الوقاحة والتضخم الواهم.
الوقاحة التي يستمدها نظام أردوغان من الدور المسند له أميركيا والتي تسوغ له الاعتداء على الأراضي العراقية هي ذاتها التي تسوغ له ممارسة العدوان على الأراضي السورية، هو ما يؤكد أن واشنطن والناتو لن يتخليا عن أنقرة في إطار مشروع تفتيت المنطقة إحياء لمشروع الشرق الأوسط الجديد ذلك على الرغم من كل الخلافات التي جعلت تركيا تقف لخمسين سنة على أبواب الاتحاد الأوروبي من دون أن تحصل على عضويته.
التهديدات التركية التي لم تهدأ هي جزء من سياسة التفجير الأميركية الإسرائيلية، ولا يمكن فصلها عن الاعتداءات الإسرائيلية ولا عن مجريات الحرب في أوكرانيا، بل هي بالإضافة إلى ما تنطوي عليه من أهداف داخلية انتخابية تركية فهي تحاكي بوضوح المشروع الأميركي المعادي الذي يمشي نظام أردوغان في ظله.
علي نصر الله
اقرأ أيضاً: هل تنجح الوساطة الإيرانية في لجم التهديدات التركية؟