العالم بين حرب عالمية وحرب نووية.
العالم بين حرب عالمية وحرب نووية
يقول الكاتب الروسي انطون تشيخوف.. “إن ظهور بندقية في الفصل الأول من مسرحية، يعني أنه سيتم استخدامها في مرحلة لاحقة من المسرحية بالضرورة، وإلاّ فلا حاجة لظهورها لأنها ستعطي وعوداً كاذبة للجمهور” فهل يصح هذا المبدأ في الحرب؟
في الأيام الأولى لبدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أمر الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بوضع الثالوث النووي في حالة التأهب القتالي وحذّر واشنطن وحلف الناتو بأن من يعرقل العملية الروسية سيلقى رداً لم يتوقعه أبداً.
ويبدو أن الولايات المتحدة أخذت التهديد الروسي على محمل الجد ما جعلها تبتعد عن الانخراط المباشر في المواجهة، فرفضت طلب كييف فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا، لكنها بدل الانخراط المباشر في الحرب دفعت العديد من دول الناتو لتزويد أوكرانيا بأسلحة متطورة بهدف إعاقة تقدم القوات الروسية وإلحاق بها خسائر واضحة ومنعها من تحقيق انتصار سريع.
ومع دخول العملية العسكرية شهرها الثالث كرر الرئيس بوتين تحذيره أمام الجمعية الفدرالية الروسية للأطراف الخارجية من التدخل في الأحداث الأوكرانية وتوعّد برد صاعق، مؤكدا أن روسيا في حال تعرضها لأي تهديد استراتيجي ستستخدم أسلحة لا يمتلكها أي من خصومها وأن “كل القرارات بهذا الشأن جاهزة”.
التحذير جاء بعد زيادة وتيرة تزويد الغرب لأوكرانيا بالسلاح الثقيل المتطور وفي أعقاب إطلاق موسكو صاروخ “سارمات” الفرط صوتي القادر على حمل عدة رؤوس نووية والذي وصفه بوتين بأنه “سيؤمن الحماية لروسيا على مدى 30 – 40 سنة قادمة” نظراً لسرعته العالية جداً وقدراته التدميرية وقدرته على الإفلات من الرادارات وأنظمة الصواريخ المضادة.
هل قصد الرئيس بوتين بالأسلحة التي لا يمتلكها خصومة، السلاح النووي؟ وهل هو مجرد تهديد؟ متى يمكن أن يقرر الكرملين لحظة استخدام هذا السلاح؟ لقد حدد نائب رئيس مجلس الأمن الروسي “ديمتري مدفيديف” أن موسكو يمكن أن تستخدم السلاح النووي عندما “تتعرض روسيا لهجوم نووي أو عمل يهدد وجودها حتى بدون استخدام أسلحة نووية ضدها”، وهذا مفهومٌ واسعٌ جداً.
الحديث عن استخدام السلاح النووي لم يقتصر على روسيا بل هناك دول في الناتو تحدثت عن قدراتها النووية مثل بريطانيا التي قال وزير دفاعها “بن والاس”، إن “الناتو يمتلك السلاح النووي وبريطانيا تستطيع استخدامه لحماية نفسها وعلى روسيا ألا تنسى ذلك”.
واشنطن من جانبها بدأت تحديث المخابئ العسكرية في المملكة المتحدة لاستخدامها لتخزين الأسلحة النووية بعد 14 عاما من بقائها فارغة، وهي تنشر قنابل نووية في بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا يقدر عددها بنحو 100 قنبلة نووية.
وبرغم تأكيد الجميع عدم اللجوء إلى استخدام السلاح النووي ذو القدرات التدميرية الكبيرة منذ استخدامه آخر مرة من قبل واشنطن ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية في “هيروشيما” و “ناغازاكي”، إلا أن مفردات استخدام “الأسلحة النووية” عادت بقوة مع الحرب في أوكرانيا.
مفردات “الحرب العالمية الثالثة” و”الحرب النووية” ما تزال كلاماً، لكن في الحروب يمكن أن تتحول الحرب الكلامية بين القوى النووية إلى حرب بالصواريخ النووية، إذ لا توجد خطوط حمراء محددة يمكن الركون إليها، فالحرب مفاجئات وما تعرض له الطراد الروسي “موسكوفا” وغرقه في البحر الأسود، يشكل علامة فارقة في مسار الحرب في أوكرانيا، لكن موسكو اختارت التكتم على طبيعة الهجوم الذي تعرض له وماذا سيكون ردها الحقيقي.
لكن ماذا لو حصل استفزاز كبير في مكان ما على مسرح الحرب؟ وزير الخارجية الروسي قال في تصريحات نقلتها “القناة الأولى” الروسية، “إن مخاطر اندلاع حرب عالمية ثالثة الآن كبيرة جداً ويجب عدم الاستهانة بها”.
تصريح لافت في وقت تركز فيه روسيا قوتها النارية على ضرب منشآت السكك الحديدية التي تستخدمها كييف لنقل الأسلحة التي يمدها الغرب بها إضافة إلى مراكز تجميع المرتزقة الأجانب والسلاح الغربي غرب البلاد، وفي وقت اتهمت موسكو محور واشنطن بالتحضير لتنفيذ مسرحية استخدام سلاح نووي في أوكرانيا وإلقاء اللوم على موسكو.
الكل يعلم براعة واشنطن في تنفيذ هذا النوع من التلفيقات الكبرى التي استخدمتها عدة مرات، وما زلنا نذكر أنبوبة وزير الخارجية الأمريكي كولن باول في مجلس الأمن قبل الحرب على العراق عام 2003 والتي قدمت ذريعة زائفة لشن الحرب التي أزهقت أرواح مئات الآلاف من العراقيين وتدمير بلادهم.
فهل تلجأ واشنطن لتدبير ذريعة مشابهه، لتكون بداية حرب عالمية ثالثة لن يكون السلاح النووي بعيداً عن أيدي المتحاربين؟
تعلم واشنطن جيداً أن النظام العالمي يتحول من بوابة أوكرانيا، وهذا التحول قد يعني خسارتها سطوتها على النظام الدولي وإلى الأبد، فماذا تراها تفعل لتغيير مسار التحول؟ وهل علينا أن نأخذ تحذيرات بوتين على محمل الجد، وفق فرضية “تشيخوف”، أم ننظر للأمر من زاوية أن من يهدد بالنووي لن يستخدمه؟.. هي فرضيات نأمل أن لا نصل إليها لأن تداعياتها الكارثية ستطال العالم أجمع.
عبد الرحيم أحمد