الصفرية في بنك أهداف بايدن
الصفرية في بنك أهداف بايدن
وصل الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الكيان الإسرائيلي. بيان إعلان القدس جاهز للتوقيع كما سيكون جاهزاً للتوقيع البيان الذي سيصدر عن الاجتماع مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن.
لون حبر البيانات، مفرداتها، صياغتها ونبرتها ومضامينها لن تشكل مفاجأة لأحد على الأغلب، ذلك لأن زيارة بايدن التي أعلن عنها مبكراً قبل أسابيع استنزفت بالتسريبات التي كان يفترض أن تنطوي على تحشيد أكبر بكثير من الحاصل، والتي كان يفترض أن تفرز المواقف فتمهد لنتائج أكبر بكثير من التي ستتحقق في نهاية الزيارة والاجتماعات، غير أن شيئا من هذا لم يحصل ولن يحصل.
لماذا لم ولن يحصل؟ هل لأن بنك أهداف الزيارة بالغ من التضخم والازدحام ما يضمن عدم تحقق شيئ منها؟ أم لأن الأهداف ذاتها غير قابلة للتحقق رغم الرغبة العارمة بتحقيقها؟ أم لأن للاعبين الآخرين على مستوى المنطقة والعالم معادلات أقوى مبنية على عناصر قوة من شأنها ألا تكتفي بتمزيق سلة الأهداف إياها، بل وأن تجعل ارتداداتها تظهر بجلاء في اتجاه يخالف الرغبات الإسرائيلية، والاتجاهات الأميركية، والأحلام الخليجية؟.
غاية التحشيد والاستعراض، إذا كانت غاية من غايات الزيارة، فقد تحققت هذه الغاية، لكن ماذا بعد التحشيد والاستعراض؟ ماذا عن الغايات الحقيقية من بنك أهداف الزيارة؟ وإذا كانت دوافع الزيارة معروفة رغم عدم إعلانها، فما الحال بعد انتهائها من دون نتائج نفخ فيها حتى صارت أعظم من أن يحملها المجتمعون في تل أبيب والرياض، وأعظم من أن تتحملها المنطقة؟.
لا شك أن مقدار الخيبة سيكون أعظم وأكبر بكثير من كل الخيبات التي ابتلعها – خلال السنوات الماضية – كل من صعد القاطرة الأميركية وتمسك بها، فمن الواضح أن الأمر لا يتعلق بحالة انفعالية أو بماذا نريد ونرغب وبماذا لا نريد ولا نرغب، بل يتصل بالمشروع غير المشروع، وبالتضاد مع المشروع الآخر الأصيل الضاربة جذوره عميقاً والذي يستمد اصالته ومشروعيته من محددات لا يفهمها المتعلقون بالقاطرة الأميركية.
بايدن الهرم المتعثر الذي يمثل حال الولايات المتحدة هذه الأيام يأتي إلى المنطقة بسلة أهداف ممتلئة مزدحمة لأن الولايات المتحدة وصلت إلى حالة مزدحمة بالخيبات، وإن هذه الحال لا تتصل ببايدن أو ترامب بل بالولايات المتحدة ذاتها والغرب معها، ولو لم يكن بايدن في البيت الأبيض وكان من كان سواه فإن شيئاً لن يتغير، لأن الولايات المتحدة تواجه أزمات صنعتها سياسات إداراتها المتعاقبة جمهورية وديمقراطية. لا محل هنا للشخصنة، بايدن وغير بايدن كان سيبحث عن مخارج لهذه الأزمات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
بنك أهداف زيارة بايدن المزدحم بالأولويات إذا كان الكثيرون قد اختلفوا على ترتيبها، فذلك لأنها تضرب في العمق جميعها، أمن “اسرائيل”، تأمين الطاقة، التحدي الصيني، عزل روسيا، ضرب إيران، احتواء تداعيات الحرب الأوكرانية، والانتخابات الأميركية القادمة. نعم هي في الحقيقة أولويات أميركية لا يصعب ترتيبها فقط، بل يصعب العمل المنتج على جبهاتها، خصوصاً أن مجموعة الأدوات المستخدمة تكاد تكون استهلكت وفقدت صلاحية الاستخدام.
الكيان الإسرائيلي يواجه مشكلات داخلية مدمرة يعرفها الإسرائيليون جيداً، وبالتالي فإن كل محاولة استعراضية حتى لو تصدت لها واشنطن لن تكون مجدية باستنقاذ هذا الكيان حتى لو تم توظيف كل المال الخليجي وحتى لو تحقق ربط السلاح الجوي في الإقليم تحت القيادة الأميركية في إطار ما يسمى الناتو الشرق أوسطي المزمع تشكيله.
حركة التطبيع، تعميق التطبيع، محاولة دمج الكيان وترويسه على المطبعين، هي خطوات قد تتواصل، وقد يبدو حجمها كبيراً، غير أنه الحجم الذي سيبقى غير حقيقي، بلا أفق، بلا أرضية، وبلا جدوى تنسجم مع الواقع الذي سيبقى مخالفا للرغبات الإسرائيلية الأميركية الغربية، ذلك أن امتلاك أنظمة التبعية والاستبداد قدرة التوقيع والاستسلام شيء، وانعكاس ذلك مفاعيل على الأرض شيء آخر.
عزل روسيا ومحاولة امتصاص تداعيات الحرب الأوكرانية التي لا تتوقف عند حدود التغيرات في سوق الطاقة “النفط والغاز”، هي محاولة يائسة تنطوي على مخاطر يدركها الأميركي ويستشعرها الغرب مجتمعا، وهو يرتجف خوفاً منها قبل حلول فصل الشتاء، وليبقى التحدي الصيني المعضلة الأكبر في ظل التحالفات الثنائية والمتعددة الأطراف التي تنشأ في المنطقة والعالم، مع روسيا، مع إيران، مع بريكس.
وأما التهديد بضرب إيران واستهدافها بعمل عسكري تحشد واشنطن له في إطار الناتو الجديد الذي لن يتشكل حتى لو نشأ، فهو الأمر الذي يمكن مقاربته بالوهم والأحلام فقط، وإن الساسة والجنرالات في الغرب وأميركا هم ممن يعرفون استحالة كتابة الأحرف الأولى لخطة الاستهداف، لأنهم اختبروا قوة طهران وردودها في البر والبحر والجو، وعلى موائد السياسة والدبلوماسية في فيينا ونيويورك والدوحة وجنيف.
لن يحصل بايدن بختام جولته في أفضل الحالات على أكثر من تحسين وضعه الإنتخابي، بل ربما لن يتمكن من خديعة الرأي العام الداخلي، ذلك في ظل بؤس حصاد الأهداف الأخرى التي تضغط على المجتمع الأميركي بدءاً من ارتفاع أسعار المواد الغذائية وليس انتهاء بصفيحة البنزين، وإن أكبر الجني قد لا يتخطى تحسين مبيعات السلاح واسترضاء اللوبي اليهودي “ايباك”.
لا نقلل من شأن زيارة بايدن والاجتماعات في تل أبيب والرياض، لا نستخف، ولا نسخف حملات التحريض والتحشيد والتهديد، غير أننا نوصف الحالة ونقرأ في سطور وقائعها التي لا تخفى فيها قوة الطرف الآخر “المستهدف”، وإذا كانت جملة واحدة أطلقها سيد المقاومة: (أبعد من كاريش .. كل المتوسط على الطاولة) قادرة على سحب الدسم من زيارة بايدن وجعل الصفرية نتيجة نهائية لها، فكيف سيكون الحال إذا ما طرحت المقولات الأخرى المختزنة في جعبة الفعل القادر المقتدر كترجمة فورية حرفية لها؟.
علي نصر الله