مقالات

التطبيع السوري التركي وخارطة الطريق

التطبيع السوري التركي وخارطة الطريق

 

كان لافتاً التوصيف الدقيق لمتطلبات التطبيع السوري التركي من قبل وزراء خارجية سورية وروسيا وإيران في الاجتماع الرباعي الذي استضافته موسكو في العاشر من الشهر الجاري، كما كان لافتاً بالقدر نفسه غياب التعقيب التركي على تلك المتطلبات والقفز إلى كلام عام لا ينبي عن نية صادقة بحل المشاكل العالقة بين البلدين.

البيان الختامي لاجتماع وزراء خارجية سورية وروسيا وتركيا وإيران في العاصمة الروسية موسكو كان مختلفاً هذه المرة، فإلى جانب العبارات السياسية والدبلوماسية العامة التي اعتدنا عليها، تضمن البيان للمرة الأولى فقرة تنقل الكلام النظري والخطابات إلى حيز التنفيذ والذي تمثل بالاتفاق على “تكليف نواب وزراء الخارجية بالتنسيق مع وزارات الدفاع في الدول الأربعة لإعداد خارطة طريق لدفع العلاقات بين سورية وتركيا.”

الملاحظ في كلمات الوفود خلال الاجتماع تناغم الأفكار السورية والروسية والإيرانية في مسألة خارطة الطريق المطلوبة لتطبيع العلاقات الثنائية بين سورية وتركيا، في ظل تكتم، أو لنقل صمت تركي على طبيعة خارطة الطريق تلك.

فوزير الخارجية السوري فيصل المقداد كان واضحاً جداً حيال الطريق الذي ينبغي سلوكه لطي صفحة الماضي مع تركيا وتجاوز تداعيات الحالة العدائية الممتدة من عام 2011 وحتى اليوم، ووضع أمام نظرائه النقاط الأساسية التي يمكن أن تتضمنها خارطة الطريق كي تقود إلى نتائج حقيقية على الأرض.

اقرأ أيضاً: أجواء إيجابية تسود الاجتماع الرباعي في موسكو.. خارطة طريق لتطوير العلاقات بين دمشق وأنقرة

ومن هذه النقاط، وجوب إقرار خروج كل القوات الأجنبية غير الشرعية من الأراضي السورية، بما في ذلك القوات التركية، وإعادة بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها.

المقداد فنّد المخاوف التركية المزعومة من أن المنظمات الإرهابية ستملأ الفراغ في حال انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية بتأكيده أن ما تطلبه سورية هو أن يكون هناك إقرار علني واضح من تركيا بأنها ستسحب قواتها، وأن يتم بناءً على ذلك الإقرار اتفاق سوري تركي على الخطوات العملية لتنفيذ هذا الانسحاب بشكل منظّم ومنسّق ومتفق عليه مع الجيش العربي السوري.

ليس هذا فحسب، بل إن سورية ترى أن محاربة الإرهاب ومواجهة الأجندات والمشاريع الانفصالية لا يمكن أن تتم بطريقة انتقائية، بل ينبغي أن تتم وفق نهج واحد لأن المخاطر واحدة على البلدين الجارين، وينبغي العمل والتنسيق معاً بشكل متزامن للقضاء على التنظيمات الإرهابية بكافة أشكالها ومسمياتها وكذلك محاربة التنظيمات التي تتبنى الأجندات الانفصالية.

اللافت أيضاً أن الكلام الروسي تحوّل من الكلام العام إلى الأفكار التنفيذية المطلوبة لتسوية العلاقات السورية التركية، وكان واضحاً أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يضع النقاط على الحروف لجهة المطلوب من أنقرة لتطبيع علاقاتها مع دمشق باعتبارها الجهة التي اعتدت على الجانب السوري وتدخلت واحتلت الأرض السورية.

فكلام لافروف في بداية الاجتماع الرباعي أكد على ضرورة عودة سيطرة الدولة السورية على كامل أراضيها، وهذا يعني ضمنياً انسحاب القوات التركية، وضرورة وضع خارطة طريق للتطبيع من قبل نواب وزراء الخارجية ومسؤولي وزارات الدفاع في الدول الأربع ترفع إلى اجتماع مقبل لوزراء الخارجية الذين بدورهم يرفعونها لرؤساء الدول.

خارطة الطريق التي اقترحتها موسكو تتضمن الأفكار والمبادئ السورية وإن بلغة ملطّفة، فهي تركز على احترام سيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها، والتعاون الوثيق لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله، والعمل المشترك لمكافحة الحركات الانفصالية المدعومة من الخارج.

الوزير الروسي أكد أن خارطة الطريق لتطبيع العلاقات السورية التركية لن تكون بلا أفق زمني، وهذا الأمر يشكل ضابط إيقاع لمسار الخارطة وفق مددٍ زمنية محددة تعيد سيطرة الدولة السورية على كامل أراضيها، وضمان أمن الحدود بالتنسيق مع تركيا، إضافة إلى إعادة فتح طرق المواصلات اللوجستية واستئناف التعاون الاقتصادي دون أي معوقات.

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أكد من جانبه في كلمته خلال الاجتماع الرباعي، أن انتشار الجيش السوري على الحدود مع تركيا سيبدد هواجس أنقرة الأمنية، وهذا يشكّل دعوة غير مباشرة لتركيا لسحب قواتها من سورية.

وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو أشاد باجتماع موسكو بأنه كان “بناءً ومثمراً” وتحدث عن خارطة الطريق لتطوير العلاقات مع سورية وأنه كان هناك “تطابق تام” في الرؤى حول مكافحة التنظيمات الإرهابية في سورية.

لكن الوزير التركي تجنب الخوض في تفاصيل مبادئ خارطة الطريق التي اقترحتها موسكو، ولم يشر بشكل مباشر إلى مسألة قبول أو رفض إعلان بلاده سحب قواتها من سورية وفق مقترح الوزير المقداد.

فهل توافق تركيا على السير في خارطة الطريق أم سوف تتلكأ؟ لا شك أن قطار الحوار الذي ترعاه موسكو وطهران بين سورية وتركيا وضع على السكة الصحيحة مع بدء العمل على وضع خارطة طريق له، لكنه بلا شك هو مسار طويل وملئ بالعقبات التي تحتاج إلى نفس طويل وتصميم كبير من قبل الراعيين في موسكو وطهران.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى