ارتفاعها ظاهري.. خبراء اقتصاد حول موازنة العام القادم: الأرقام مشوّهة ولا تعكس انفراجاً قادماً!
ارتفاعها ظاهري.. خبراء اقتصاد حول موازنة العام القادم: الأرقام مشوّهة ولا تعكس انفراجاً قادماً!
أثار الرقم الكبير الذي طرحته الحكومة لموازنة العام القادم، عشرات التساؤلات حول حقيقته، لاسيما أنه فاق موازنة العام الماضي بنسبة تجاوزت 200%!
وبموجب قرار الحكومة، فإنها وافقت على مشروع اعتمادات موازنة 2024 بـ 35500 مليار ليرة.
وبحسب هذه الأرقام، ارتفع حجم موازنة سورية، عام 2024 بنسبة 115% مقارنة بما كانت عليه في العام الماضي، والتي بلغت 16500 مليار ليرة، كما ارتفع حجم الإنفاق الجاري بنسبة 96%، فضلاً عن ارتفاع حجم الإنفاق الاستثماري بنسبة 200% حيث وصل إلى 9000 مليار ليرة بعد أن كان 3000 مليار ليرة.
وعلى الرغم من الارتفاع الظاهري لحجم الموازنة مقارنة بما كانت عليه العام الماضي، فإن قيمتها الفعلية تراجعت بنسبة 43% قياساً بسعر الصرف، حيث بلغت 3.1 مليار دولار وفقاً للسعر الرسمي، بينما كانت موازنة العام الماضي تبلغ 5.4 مليار دولار بالسعر الرسمي الذي كان عند حدود 3015 ليرة بينما وصل حالياً إلى 11500 ليرة، بحسب موقع “سناك سوري”.
ووفق الاعتمادات، وصلت قيمة الدعم الاجتماعي في موازنة العام المقبل إلى 6210 مليار ليرة بعد أن كانت 4927 مليار ليرة في موازنة العام الماضي بزيادة قدرها 26%، أي أن الدعم لم يرتفع بالنسبة ذاتها التي ارتفع بها إجمالي الموازنة والتي وصلت إلى 115%.
كما وصلت قيمة دعم المشتقات النفطية في العام المقبل إلى 2000 مليار ليرة، وتم تخصيص 7 مليارات ليرة لصندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية، و50 ملياراً لصندوق التحول إلى الري الحديث، و103 مليارات للخميرة. و50 مليار للصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية، و75 مليار ليرة لدعم المناطق المتضررة من الزلزال.
وفي هذا السياق، اتفق اقتصاديون على أن هذه النسبة الكبيرة للزيادة لموازنة عام 2024 تعد غير حقيقية.
واعتبر الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور “شفيق عربش”، أن هذه النسبة تعد اعترافاً غير مباشر من الحكومة بنسبة التضخم الحاصلة خلال هذا العام.
وقال “عربش” لصحيفة “الوطن” المحلية، من غير المعقول في أي دولة بالعالم أن تزداد اعتمادات الموازنة بهذه النسبة، مؤكداً أن موازنة العام القادم ناتجة عن تضخم وخاصة بعد المرسوم الرئاسي الذي أقر زيادة الرواتب والأجور.
واعتبر “عربش”، أنه إذا ما تم تصحيح أرقام الموازنة التي تم إقرارها بمعدلات التضخم الحاصلة في عام 2023، فستكون النتيجة أنها أقل من أرقام الموازنة في العام الحالي، وبالتالي لن يكون هناك أي تحسن بالواقع الخدمي في سورية.
وأضاف، يجب ألا ننسى الترفيعات الدورية للعاملين في الدولة التي ستكون في بداية عام 2024 والتي تشكل 9 بالمئة، أي إنها ستشكل نحو 900 مليار ليرة من مجمل الموازنة العامة كحد أدنى، مشيراً إلى أن الأرقام الأولية للموازنات تختلف بشكل جوهري عن أرقام قطع الحسابات، أي إن الاعتمادات أكبر بكثير مما ينفق بشكل.
وقال “عربش” فيما يخص الإنفاق الاستثماري في الموازنة المحدد بـ 9000 مليار ليرة، لو تم أخذها بأرقام سعر الصرف الرسمي الصادر عن مصرف سورية المركزي فستقارب الـ 800 مليون دولار، وهي لا تعادل 25 بالمئة من الموازنة الاستثمارية للدولة في عام 2008، معتبراً أن هذا الرقم لن ينهض بالاقتصاد السوري بشكل نهائي، ولا يكاد يكفي بعض نفقات الإصلاحات لبعض المرافق العامة فيما لو تعطلت.
وحول اعتمادات الدعم الاجتماعي التي تم الحديث عنها والمقررة بـ 6210 مليارات ليرة، استغرب “عربش”، الأرقام الكبيرة المرصودة لصندوق المعونة الاجتماعية ودعم الزراعة والري الحديث، فمثلاً تم رصد 103 مليارات ليرة لدعم الخميرة لأسباب غير معروفة، ولكن لم يتم التطرق إلى اعتمادات دعم الخبز.
وأضاف، إن موازنة عام 2024 مشوّهة كالعادة ولا تعكس أي انفراج قادم، بل إنها تعكس تخبّطاً وغياباً للسياسة المالية والنقدية في سورية.
وعن أرقام الدعم المرصودة للمشتقات النفطية والمحددة بـ 2000 مليار ليرة، أكد “عربش”، أن سعر البنزين لم يعد مدعوماً كما كان في السابق، فما تبقى هو بعض المواطنين الذين ما زالوا يعتقدون أنهم مشمولون بالدعم بـ 50 ليتراً من مازوت التدفئة، وقد يصل إليهم دور التوزيع وقد لا يصل.
واعتبر أن الحكومة تخفي تحت مسمى “الدعم” الكثير من الممارسات منها الهدر والسرقات في المستودعات التي تزوّد المحطات بالوقود ومحطات التكرير والمصافي، والفاقد الكمي في الإنتاج بسبب تقادم مصافي تكرير النفط في سورية.
مشيراً إلى أن الفارق بين ما يدفع من تكاليف وما يتم تحصيله من عمليات البيع تسميه الحكومة دعماً، أي إن الدعم المقدم أقل بكثير مما تعلنه الحكومة التي يبدو أن موال الدعم قد طاب لها فهي توهم المواطنين بأنها تدعمهم لكنها تقوم بالكثير من الممارسات الخفيّة تتمثل بالدعم.
بدوره، أكد الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب الدكتور “حسن حزوري”، أن مشروع اعتمادات موازنة عام 2024 يمثل زيادة نظرية تعادل 115 بالمئة مقارنة بموازنة 2023، معتبراً أنها زيادة غير حقيقية، إذا ما قورنت بالمستوى العام للأسعار أو بالتضخم الحاصل أو بسعر الصرف.
ولفت إلى أن موازنة العام الحالي تعادل 5.5 مليارات دولار، مقابل 3 مليارات تقريباً لعام 2024، أي إنها تعادل 55 بالمئة من موازنة 2023، وبالتالي فهي غير قادرة على تحفيز النمو الاقتصادي.
وأشار “حزوري” إلى أنه تم تخصيص 75 بالمئة للإنفاق الجاري و25 بالمئة للاستثماري، وهذه أرقام لا تعادل قيمة السلع والخدمات التي كانت تؤمّن في عام 2023.
وحول ما قاله رئيس مجلس الوزراء المهندس “حسين عرنوس”، بأن نسب تنفيذ المشروعات في موازنة العام الحالي جيدة وأكثر من المتوقع في بعض الأحيان، حيث إن نسب التنفيذ ستتجاوز 80 بالمئة للإنفاق الاستثماري، و100 بالمئة للجاري حتى نهاية العام، رأى حزوري، أن هذه النسب مبالغ فيها ولم ترَ بشكل واضح على أرض الواقع.
وكان وافق مجلس الوزراء، في وقت سابق، على مقررات المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي بتحديد الاعتمادات الأولية لمشروع الموازنة العامة للدولة للعام 2024 بمبلغ 35500 مليار ليرة سورية، موزعة على 26500 مليار للإنفاق الجاري و9000 مليار للإنفاق الاستثماري.
وأكد عضو لجنة الموازنة في مجلس الشعب “محمد زهير تيناوي” أن أرقام الموازنة لهذا العام طموحة جداً وأكثر من المتوقع، مضيفاً إن المأمول أن تكون الموازنات طموحة دائماً لكن بالمقابل يجب أن يكون لدينا واردات تغطي هذا الرقم الكبير.
وأضاف، إن تخطيط الحكومة لهذا الموازنة يحتاج إلى مطارح لتأمين واردات لتغطية هذا الرقم وتخفيف العجز المتراكم، وما يخشى هو أن تكون الواردات من جيب المواطن بشكل أو بآخر سواء بزيادة الأعباء الضريبية التي أرهقت المواطن، لأن أي ضريبية تفرضها الدوائر المالية على المكلفين من فعاليات صناعية وتجارية وخدمية كلها تنعكس على السلع وترفع الأسعار.
وأشار إلى أن الأرقام تدعو للتفاؤل ونأمل أن يكون لدى الحكومة خطط لتأمين واردات حقيقية وفعلية قد لا نعرفها وتكون مفاجئة لنا جمعياً في مطلع العام القادم.
وأكد “تيناوي”، أنه لابد من وضع خطة قاسية لمعالجة منافذ الهدر والفساد في كل المؤسسات والوزارات، لأن الحد من الهدر ومكافحة الفساد أصبحا ضرورة ولو انعكست مبالغ الهدر والفساد على الموازنة لاستطعنا تحقيق وفر وليس عجزاً.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع