سائقات باص ونادلات مطاعم.. النساء السوريات يدخلن ميادين العمل كافة لتأمين عيش كريم
ساوت الظروف المعيشية في سورية بين الجميع، ومحت جميع الفروق بين الرجال والنساء، الذين تحدوا كل الصعاب لتأمين لقمة أطفالهم، حيث أحدثت الأوضاع الصعبة تغيراً بعمل النساء، وأصبحت الكثير منهن يعملن كسائقات باصات وتكاسي، وبائعات شاورما، ونادلات في المطاعم.
في البداية كان الأمر مستغربا لدى الكثيرين، سواء بسبب العادات والتقاليد، أو لعدم حاجة ذويهم لمدخول إضافي يجبرهم على تشغيل ابنتهم، لكن سرعان ما اعتاد الناس هذا المشهد، وباتت رؤية السيدات بهكذا مهن أمر طبيعي.
تقول السيدة “ردينة” التي تعيل زوجها وأطفالها الثلاثة، لم “يبق لي معيل إلا الله سبحانه، فبعد إصابة زوجي بشظايا في العمود الفقري أقعدته باقي حياته ويلزمه من يصرف عليه ثمن أدوية وطعام ومصاريف أخرى، لم أر وسيلة لإكمال حياتنا سوى السيارة الخاصة التي يملكها، إذ أضحى غير قادر على استخدامها“.
كانت فكرته أن “يبيع السيارة فرفضت الفكرة وتعلمت القيادة في مدرسة لتعليم سياقة السيارات بعد ثلاثة أسابيع أنهيت دورة تعليم القيادة ومعي رخصة، وبدأت العمل مع الجيران المقربين بتوصيل أبنائهم إلى المدارس والروضات ذهاباً وإياباً مقابل أجر شهري من كل تلميذ أو طالب“.
وتابعت “ردينة” التي تقيم بأحد أحياء العاصمة دمشق متحدثة لموقع “أثر برس” المحلي، “بعد مدة روجت لنفسي في مواقع التواصل الاجتماعي، وذيع صيتي أني أملك سيارة وأعمل سائقة لتوصيل الطلاب وأي شخص، إلى أي مكان يريد وأولادي يخبرون زملاءهم حتى تمكنت من جمع عدد من الزبائن والركاب الذين لديهم أعمال يومية ويحتاجون إلى وسيلة نقل“، مضيفة: “الحمد لله أصبحت أحصل على مدخول لا بأس به شهرياً وأعمل صباحاً من الساعة السابعة وحتى الثانية بعد الظهر وألبّي جميع الطلبات والتوصيلات“.
أما “نجاح” البالغة 44 عاماً، اختارت هذه المهنة لعلاج ابنها المريض، فهي تمضي يومها خلف مقود سيارتها، وتقول: “منذ سنوات وأنا أعمل لعلاج ابني، حيث باتت لقمة العيش وأسعار الأدوية عبئا ثقيلاً، مضيفة: أتنقل بين شوارع دمشق وأوصل من يريد إلى المكان الذي يشاء سواء أكان رجل أم امرأة، مؤكدة أن هذه المهنة لم تنل من أنوثتها، ورأت أنها مهنة كباقي المهن، وأن العمل ليس عيباً ولم يسئ لأي عائلة طالما أنه بشرف“.
وأضافت “نجاح“: “كثير من النساء فقدن أزواجهن ولم يبق لهم معيل، لكن الحياة سوف تستمر وظروف الحياة باتت قاسية على الجميع لذلك كثيرات لم يجدن سوى هذه المهنة ليكسبوا المال الحلال“، وذكرت أن “هناك أسراً لا تقبل إلا سيدة لتوصيل أولادهم إلى المدرسة لأنهم يجدون فيها الأمان والحنان والالتزام معهم، وهي لا تغيب مهما كانت الظروف.”
اما “ناريمان” التي استشهد زوجها وترك لها أربعة أولاد، فقالت: “أقود سيارة منذ زمن، وهي مهنة جيدة جداً من حيث الدخل الشهري، وساعات عملي وفقاً لدوام المدارس صباحاً وظهراً“، وتؤكد أن مسؤولية كبيرة تقع على عاتقها، حيث تعتبر الأطفال وكأنهم أطفالها وتوصلهم إلى بيوتهم لأنهم أمانة في عنقها.
وأضافت: “في البداية كانت أسعاري زهيدة ولكن بعد ارتفاع أسعار البنزين والمحروقات مؤخراً اضطررت إلى رفعها قليلاً لأنني أضطر أحياناً لشرائه حراً كي لا أغيب عن الطلاب“، ولكن على الرغم من ذلك ترى أن أسعارها أقل من النقل المدرسي الذي يشهد حالياً ارتفاعاً كبيراً يوازي تقريباً القسط التعليمي في بعض المدارس الخاصة.
بعض الركاب، وبعض ممن يرسلون أبناءهم للمدارس، رووا تجربتهم بالتعامل مع السائقات، وأكدوا أنهم يشعرون بالاطمئنان على أطفالهم معهم.
كما سمع الكثير منا بالسيدة “ابتسام ” و “أم عرب“، اللواتي عملن على سيارة تكسي، حتى أن البعض من النساء السوريات تم تعيينهن كسائقات باصات في مؤسسات حكومية، الأمر الذي يؤكد على قدرة المرأة السورية التي عرفت عبر تاريخها بصبرها وتحديها لجميع الصعاب مقابل أن تعيش عزيزة.
وأخيراً يمكن القول أن الظروف الصعبة والقاسية التي تمر بها البلاد، والتي يمكن وصفها بأنها أقسى من الحرب ذاتها، دفع المرأة لخوض غمار العمل، في ميادين لم تكن مقبولةً سابقاً وذلك خير دليل على قدرة المرأة السورية في بناء جيل قادر على تجاوز كل المحن، ويبقى الأمل أن تعود سورية معافاة وتخف تلك الغيمة عن أبنائنا وأسرنا.
اقرأ أيضاً: ارتفاع مؤشر تكاليف الحياة لأكثر من ثمانين ضعفاً