مقالات

روح المقاومة من دمشق إلى القدس

روح المقاومة من دمشق إلى القدس

 

من عملية “خالد علوان” بمقهى “الويمبي” بيروت 1982 إلى “ثناء محيدلي” و “معبر باتر” جنوب لبنان 1985 إلى أبطال نفق الحرية وليس انتهاء بالمقاوم البطل “عدي التميمي” 2022 في الضفة الغربية وقبلها المئات بل الآلاف من عمليات المقاومة على مدى عقود، هي روح المقاومة التي لن تموت، هو شريان الكرامة الذي تغذيه وتدعمه سورية وكان عنوان لقاء الرئيس بشار الأسد مع وفد القوى والفصائل الفلسطينية في قصر الشعب قبل أيام.

منذ أن بدأ الاحتلال البريطاني تطبيق “وعد بلفور” المشؤوم ومنح الصهاينة مناطق نفوذ لتمكينهم من أرض فلسطين وما تلا ذلك من مجازر ضد الشعب الفلسطيني الأعزل عام 1948، لم تكن فلسطين قضية الفلسطينيين وحدهم، بل كانت قضية عربية أولاً وإسلامية ومسيحية ثانياً، وهي كانت وماتزال قضية السوريين قبل غيرهم من أشقائهم العرب.

فالثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 ضد المحتل البريطاني وعصابات الصهاينة أطلق شرارتها ابن مدينة جبلة السورية الشيخ عز الدين القسام، وفي حروب 48 و67 و73 كانت الحرب عربية – صهيونية ولم تكن فلسطينية – إسرائيلية، ولن تكون اليوم أو في الغد غير ذلك مهما حاول البعض من قيادات وحكام عرب وغيرهم حصر القضية بصراع فلسطيني- إسرائيلي يمكن حشره ضمن الحدود الجغرافية لفلسطين.

واليوم المقاومة في فلسطين ليست فلسطينية بحته وإن كان شباب فلسطين وشاباتها هم من يتصدون للمحتل الإسرائيلي.. فشريان المقاومة في القدس وغزة ممتد إلى دمشق وبيروت وطهران.

تقول والدة الطفلة عهد التميمي التي أصبحت إحدى أيقونات المقاومة الفلسطينية في أحد تصريحاتها بعد خروجها وابنتها من سجون الاحتلال: “قدر الشعب الفلسطيني مقاومة الاحتلال.. إن بقينا في بيوتنا فربما نموت حرقاً كعائلة دوابشة، وإن خرج طفلي للمسجد قد يموت حرقاً كمحمد أبو خضير، لماذا لا نخرج ونقاوم الاحتلال إذن؟”.

ما قالته والدة عهد هو جوهر القصة، فالفلسطيني لن يسلم من بطش وجرائم المحتل الإسرائيلي طالما بقي على أرض فلسطين، فلماذا لا يقاوم هذا المحتل ويذيقه مر ما يتعرض له الشعب الفلسطيني؟ وما كتبه البطل عدي التميمي – ولا أعلم الرابطة الأسرية بين الاثنين لكن رابطة فلسطين كافية – يكمل القصة..  “عمليتي في حاجز شعفاط كانت نقطة في بحر النضال الهادر، أعلم أني سأستشهد عاجلاً أم آجلاً، وأعلم أني لم أحرر فلسطين بالعملية، ولكن نفذتها وأنا أضع هدفاً أمامي، أن تحرك العملية المئات من الشباب ليحملوا البندقية بعدي”.

فالبندقية هي التي ستحرر فلسطين وكل أرض مغتصبه وتسترد كل حق مسلوب، هذه هي رسالة المقاومين على اختلاف أسمائهم ومناطقهم، والبندقية ليست فقط تلك التي تطلق النار، بل هي إرادة المقاومة التي قد تكون “قلماً” يقاوم التطبيع ومسح الذاكرة الجمعية للأمة ويدافع عن الحق العربي، قد تكون “ملعقة” تفتح نفقاً للحرية من تحت سجون ومعتقلات الاحتلال، أو ربما “سكيناً” يغرز في صدر جندي محتل أو “صاروخاً وطائرة مسيرة” تدك حصون الاحتلال وتزلزل الأرض تحت قدميه.

تؤكد الإحصائيات الفلسطينية أن المقاومة تتصاعد في الضفة الغربية رداً على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ففي عام 2020 نفذت المقاومة 29 عملية إطلاق نار على جنود الاحتلال، فيما ارتفع الرقم عام 2021 إلى 191 عملية، ومنذ بداية عام 2022 حتى اليوم نفذت المقاومة 472 اشتباكاً وعملية إطلاق نار على جنود الاحتلال وهذا مؤشر قوي على تصاعد أعمال المقاومة التي ينفذها جيل الشباب.

فكيف لدمشق التي تؤمن بأن المقاومة هي السبيل لاسترجاع الحقوق والأرض المغتصبة، والتي قدمت وماتزال كل ما تستطيع لدعم مقاومة الشعب الفلسطيني ألاّ تستقبل فصائل المقاومة والقوى الفلسطينية في وقت تنتفض فيه الضفة الغربية ضد المحتل الإسرائيلي؟ وفي وقت تحتاج جبهة المقاومة وفصائلها إلى تعزيز التنسيق والتلاحم وخصوصاً في فلسطين لدعم هبة الشباب الفلسطيني المقاوم في الضفة الغربية وقطاع غزة في مواجهة الاحتلال.

الكثير من السوريين وقد أكون من بينهم، يتحفظون على عودة قيادة حماس إلى دمشق أو حتى زيارتها ويشعرون بالشك والريبة، ولهم في ذلك أسباب كثيرة، فالجرح عميق جراء خيانة تلك القيادة وبعض كوادرها العهد الذي قُطع على أن تكون البندقية موجهة إلى صدر العدو الإسرائيلي وليس سواه، غير أنهم طعنوا سورية وشعبها وجيشها في الظهر والخاصرة متنكرين لمن درّب كوادر الحركة وسلّحها وجعلها بتلك القوة.

لكن في ظروف المعارك الكبرى لابد من التعالي على الجراح والنظر للمستقبل، فسورية التي عُرفت بكبريائها تعلم متى تعفو وتغفر ولماذا.. وهي تنظر للمستقبل بميزان المصالح الإستراتيجية والمبادئ التي لا تتغير. فمن للمقاومة غير دمشق، اليوم وفي المستقبل؟

دمشق التي تعرضت من أجل فلسطين والعراق ولبنان لحرب لم يسبق لها مثيل، تعلم لماذا كانت الحرب وتدرك أن ما يجري لا يتعلق بسورية فقط بل يرتبط بمجمل الشرق الأوسط وما يحضر له من مشاريع لتركيع الجميع أمام كيان مارق يُراد له أن يكون السيد في المنطقة، فكيف لا يكون قصر الشعب محطة لرص جبهة المقاومة وشحن قوى المقاومة بجرعة أمل سورية في ليل العرب الحالك؟

قبس الأمل الذي أرسلته دمشق لشباب القدس وشاباتها ولقوى المقاومة الفلسطينية هو نسغ الحياة في جسد القضية الفلسطينية وروحها التي يحاول العدو القضاء عليها ومحوها من الذاكرة الجمعية للأجيال الفلسطينية والعربية، لكن ذلك محال مادام في فلسطين شباب كعدي التميمي يطلق رصاصه في صدر العدو ولا يهاب، وفي دمشق قيادة تسمو فوق الجراح وتبقى على عهد المقاومة وفلسطين.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

اقرأ أيضاً: بينهم ممثلون عن الجناح المقاوم.. سورية تستقبل اليوم وفداً من الفصائل الفلسطينية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى