مقالات

رحلة الظلام في سورية.. إلى متى؟

رحلة الظلام في سورية.. إلى متى؟

 

من كهرباء 24 على 24 انتقل السوريون خلال عشرة أعوام إلى ما يشبه التعتيم العام، ومن 49 مليار كيلوواط ساعي في عام 2011 تراجع توليد الطاقة الكهربائية في البلاد إلى 19 مليار كيلوواط ساعي عام 2016، هي رحلة الظلام التي عاشها السوريون ومازالوا يعيشون أقسى فصولها اليوم في ظل استمرار الحرب العسكرية وتشديد الحرب الاقتصادية والحصار وسيطرة الاحتلال الأمريكي على معظم مناطق حوامل الطاقة في البلاد.

يشكل قطاع الكهرباء والطاقة أساس الحياة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في أي بلد، وهي عصب الحياة والإنتاج والخدمات.

وقد شهدت سورية قبل الحرب الإرهابية التي شنت عليها تطوراً كبيراً في إنتاج الطاقة الكهربائية وتوفيرها إلى أقصى قرية في البلاد، محمولة على شبكة كهربائية واسعة وعلى طاقة توليد بلغت نحو 7000 ميغاواط من محطات تتوزع على كامل الجغرافيا السورية.

لذلك كان قطاع الكهرباء كما النفط والغاز على رأس قائمة بنك الأهداف التي استهدفتها التنظيمات الإرهابية بأوامر من مشغليها في واشنطن وتل أبيب منذ بداية الحرب عام 2011، لكن المرحلة الأخطر بدأت عام 2014 مع سيطرة قوات الاحتلال الأمريكي على مناطق إنتاج الغاز والنفط في الجزيرة السورية ومنع وصول الدولة السورية إليها بالتوازي مع استهداف التنظيمات الإرهابية محطات توليد الطاقة الكهربائية.

وشهد العام 2015 خروج عدة محطات توليد أساسية من الخدمة بسبب استهدافها بالسيارات المفخخة وتدميرها، ومنها محطة “حلب الحرارية” باستطاعة 1065 ميغاواط، ومحطة توليد “زيزون” في إدلب باستطاعة 450 ميغاواط ومحطة توليد “التيم” في دير الزور باستطاعة 102 ميغاواط.

وبلغت خسائر قطاع الكهرباء المباشرة حتى نهاية عام 2020 نحو 2040 مليار ليرة سورية فيما بلغت الخسائر غير المباشرة 4081 مليار ليرة بحسب الإحصاءات الرسمية.

تحتاج سورية اليوم بحسب التصريحات الرسمية لنحو 18 مليون متر مكعب من الغاز يومياً لإنتاج 4000 ميغا واط (متاح منها حالياً فقط 8 ملايين متر مكعب) حتى تستقر فيها الكهرباء وتتوقف برامج التقنين القاسية التي تفرضها الحكومة على المواطنين، حيث بلغت ساعات القطع مؤخراً بالتزامن مع أزمة المحروقات نحو 10 ساعات قطع مقابل ساعة وصل واحدة، أي أقل من 3 ساعات في اليوم، وانخفضت في مناطق أخرى إلى 6 ساعات قطع وساعتين وصل.

وكانت الحكومة وعدت المواطنين بتحسن واقع الكهرباء في العام 2022 من خلال إعادة تأهيل المجموعة الخامسة في محطة “حلب الحرارية” باستطاعة 200 ميغاواط والتي تم وضعها بالخدمة منتصف العام الجاري، وإدخال المجموعة الأولى من محطة “الرستين” في اللاذقية الخدمة باستطاعة 186 ميغا واط قبل نهاية العام الحالي، لكن جميع وعودها لم تتحول إلى واقع، بل تراجع إنتاج الكهرباء وازدادت ساعات التقنين بفعل شح الغاز والفيول جراء الحصار ونهب الإنتاج من قبل المحتل الأمريكي وتردي أوضاع محطات التوليد العاملة التي لم تنفع معها عمليات الصيانة التي تغنت بها الحكومة.

رئيس الحكومة أعلن في تموز 2021 بأن لدى محطات التوليد العاملة القدرة على توليد 5 آلاف ميغا لكن يتم تشغيل 2300 ميغا فقط نظراً لعدم وجود المحروقات والغاز اللازم، لكن هذه الكمية تنخفض في أوقات كثيرة إلى أقل من 1000 ميغا.

وعلى وقع الأزمة التي لا تعرف نهاية لها، توجهت الحكومة نحو الطاقات البديلة من طاقة شمسية وطاقة رياح لرفد الشبكة الكهربائية وتعويض النقص، لكن ذلك يحتاج إلى زمن طويل واستثمارات كبيرة لن تظهر نتائجها قريباً رغم البدء بمشاريع مهمة في المدينة الصناعية في حلب ووضع جزء من مشروع المدينة الصناعية في عدرا العمالية بالخدمة، إضافة إلى عنفتين للطاقة الريحية في محافظة حمص.

تأخرت الحكومة السورية كثيراً في اللجوء إلى الطاقات المتجددة باعتبارها حلاً مساعداً ورافداً جيداً في ظل غياب النفط والغاز لتوليد الكهرباء، لكن هذا الخيار بالمجمل لن يكون بديلاً كلياً عن الطاقات التقليدية على الأقل في المدى المنظور، فالدول الكبرى التي تستثمر في الطاقات المتجددة منذ عقود لم تصبح لديها بديلاً يعتد به.

يتهكم السوريون في أحاديثهم ويقولون أنه لا داعي لوجود وزارة للكهرباء في ظل عدم وجود الكهرباء، فيما يتندر آخرون بالقول أن أسلاك الشبكة المنخفضة تحولت إلى “جبال للغسيل” في ظل انقطاع شبه دائم للكهرباء، عبارات تعكس عمق المأساة التي أدمنها السوريون وتعايشوا معها كمن يتعايش مع مرض عضال، يبتسم من شدة الألم، فهل من شفاء لهذا المرض؟

يقول الكثير من السوريين عبر صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي وفي أحاديثهم اليومية أنه في ظل هذا الموت البطيء المفروض عليهم، لا بديل عن ثورة شعبية ورسمية ضد المحتل الأمريكي لتحرير منطقة الجزيرة واستعادة حقول النفط والغاز، فقد يكون الموت السريع لآلاف السوريين في تلك المواجهة القاسية، الطريق الأسرع لدفع الموت البطيء عن الملايين منهم واستعادة حياتهم الطبيعية التي افتقدوها منذ عقد ونيف.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

اقرأ أيضاً: تفاقم أزمة المحروقات في سورية.. لماذا؟  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى