مقالات

تفاقم أزمة المحروقات في سورية.. لماذا؟  

تفاقم أزمة المحروقات في سورية.. لماذا؟  

 

تحولت سورية على مدى سنوات الحرب الإرهابية من بلد مصدّر للنفط إلى مستورد لأغلبية احتياجاته النفطية، تعاني من أزمة محروقات خانقة تكاد تشل الحياة العامة والاقتصادية في البلاد، تزداد في كل عام وتصل ذروتها مع دخول فصل الشتاء وازدياد الحاجة والطلب على المحروقات من غاز ومازوت وكهرباء.

فمع دخول الحرب على البلاد عامها الثالث وسيطرة قوات الاحتلال الأمريكي ومعها ميليشيا “قسد” عام 2014 على الجزيرة السورية التي تحتوي 80% من مصادر الطاقة السورية (نفط وغاز)، تحولت البلاد التي كانت تنتج نحو (350) ألف برميل نفط يومياً، إلى استيراد معظم احتياجاتها النفطية وكانت قادرة إلى حد كبير على توفير تلك الاحتياجات من خلال الأصدقاء في جمهورية إيران الإسلامية.

الحصار و قانون “قيصر” و”قسد”

لكن مع تشديد الولايات المتحدة عقوباتها الاقتصادية وفرضها حصار خانق على سورية في العام 2017 ودخول قانون قيصر عام 2019 حيز التطبيق، ازدادت معاناة سورية في ملف المحروقات وأصبح استيراد النفط والغاز من إيران أمامه عقبات كثيرة تمثلت في قرصنة البحرية الأمريكية نواقل النفط واستهدافها بالعبوات الناسفة البحرية ومنعها من العبور إلى المياه الإقليمية السورية مما اضطرها إلى تغيير مساراتها وعبور آلاف الأميال الإضافية للتمويه، ولم تكن تنتظم التوريدات سوى في أوقات قليلة.

2 12
تفاقم أزمة المحروقات في سورية.. لماذا؟

وتسرق ميليشيا “قسد” والولايات المتحدة الأمريكية نحو 80% مما تنتجه آبار النفط العاملة حالياً والتي تقدر بـ 85 ألف برميل يومياً، فيما تحصل الحكومة السورية على نحو 16 ألف برميل فقط وتتم سرقة ما يصل إلى 70 ألف برميل بشكل يومي من قبل قوات الاحتلال الأمريكية ومرتزقتها من الحقول المحتلة في منطقة الجزيرة السورية وتباع في دول الجوار.

تقول الحكومة السورية في آخر احصائياتها أن خسائر قطاع النفط في سورية جراء الاحتلال الأمريكي وسيطرة ميليشيا “قسد” على منابع النفط والغاز، بلغت حتى عام 2021 أكثر من 107 مليار دولار.

إجراءات حكومية للترشيد

ونتيجة لذلك اتخذت الحكومة السورية سلسلة إجراءات لترشيد استهلاك الوقود على مدار الأعوام الماضية، ورفع أسعار المشتقات النفطية لتقليل فاتورة الاستيراد التي تثقل كاهل الميزانية حيث كشف وزير النفط “بسام طعمة” أن فاتورة استيراد المشتقات النفطية حالياً تصل لنحو ٢٥٠ مليون دولار شهرياً وهي تتغير بتغير السعر العالمي.

لكن الحكومة أبقت على دعمها كميات محدودة تبيعها للمواطنين بالسعر المدعوم عبر البطاقة الإلكترونية ولوسائل النقل وللتدفئة.

وتأتي هذه الإجراءات لمنع انقطاع المادة بشكل كامل والحفاظ على تأمينها للقطاعات الحيوية كالصحة والنقل والمطاحن والأفران والزراعة.

كل هذه التعقيدات والظروف القاسية التي تفرض نفسها على قطاع النفط أدت مؤخراً إلى شبه شلل في الحياة الاقتصادية السورية، إذ تم تخفيض مخصصات السيارات الحكومية بمعدل 40% حتى نهاية العام الجاري بقرار من رئاسة مجلس الوزراء وإعطاء عطلة يوم إضافي لتخفيف الضغط على المشتقات النفطية.

ولم تستطع الحكومة توزيع سوى 40% بالمئة من مخصصات الأسر السورية للتدفئة والمحددة بـ 50 لتر مازوت كدفعة أولى تليها 50 أخرى رغم دخول فصل الشتاء وبدء موسم البرد القارس، كما أثرت الأزمة على قطاع الاتصالات الخليوية والأرضية حيث لم تعد تستطع الشركات تأمين المحروقات اللازمة لتشغيل المولدات لتأمين التغطية والتغذية الهاتفية.

ولم تسلم أسعار المواد الغذائية من تداعيات الأزمة فقد شهدت معظم أسعار المواد قفزات كبيرة نتيجة تأثرها بارتفاع أسعار المحروقات والنقل الأمر الذي فاقم الضغط المعيشي على السوريين المنهكين من سنوات الحرب التي تدخل عامها الثاني عشر.

السيناتور “بلاك” يكشف أهداف الحصار

ما يحدث في سورية اليوم من ضغوط اقتصادية كشف عنه السيناتور الأمريكي “ريتشارد بلاك” في تصريحات صحفية قبل مدة، موضحاً أن الولايات المتحدة فرضت الحصار الاقتصادي تحت اسم “قانون قيصر” من أجل شل نظام النقل في البلاد وتجميد السوريين في الشتاء وجعلهم يقاتلون من أجل لقمة عيشهم أو يموتون جوعاً، بهدف إخضاعهم بعدما قاوموا المخطط الأمريكي واستطاعوا أن يواجهوا على مدى سنوات كل المحاولات الأمريكية لإركاعهم.

بالمقابل وقفت جمهورية إيران الإسلامية إلى جانب سورية منذ البداية وقدمت الدعم الاقتصادي لها وخصوصاً في ملف النفط، حيث تشكل التوريدات الإيرانية بموجب الخط الائتماني المصدر الأساسي للنفط في سورية، لكن هذه التوريدات التي تقدر بنحو مليوني برميل شهرياً بحسب تصريحات رسمية، كانت تتعرض لانقطاعات متكررة إما بسبب العقوبات والحصار الأمريكي ومثالها الأخير احتجاز الناقلة الإيرانية (LANA) التي كانت قادمة من مضيق جبل طارق وعلى متنها 700 ألف برميل نفط لعدة أشهر في سواحل اليونان من قبل البحرية الأمريكية، أو بسبب ظروف الطقس وخصوصاً مع دخول الشتاء وارتفاع الطلب على هاتين المادتين لاسيما في ظل انقطاعات كبيرة للكهرباء وشح في الغاز المنزلي.

احتياجات وإمكانات

وتبلغ احتياجات السوريين اليومية من المازوت والبنزين بحسب ما أعلن رئيس مجلس الوزراء المهندس “حسين عرنوس” تحت قبة “مجلس الشعب” أيلول عام 2021 نحو 8.5 مليون ليتر من المازوت و 6 ملايين ليتر من البنزين، لكن الحكومة لم تكن قادرة على تأمين سوى 5.5 مليون ليتر مازوت و4 ملايين ليتر من البنزين يومياً، ما يظهر حجم الفارق بين المتاح والاحتياجات الحقيقية.

تعمل الحكومة على تعويض النقص الحاصل في توريدات الطاقة ومواجهة الحصار عبر زيادة الإنتاج في المناطق التي تسيطر عليها وبحسب رئيس مجلس الوزراء فقد تم خلال عام 2022 رفع معدل الإنتاج اليومي إلى نحو 19 ألف برميل نفط كما تم استيراد 16 مليون برميل من النفط الخام منذ بداية العام الحالي رغم صعوبة تأمين هذه الكميات نتيجة العقوبات والحصار المفروض على سورية.

الاستكشاف في مناطق سيطرة الدولة هي قليلة وليس هناك بوادر استكشافات جديدة باستثناء ما جرى الحديث عنه في ملف الغاز والبلوكات البحرية أمام شواطئ طرطوس حيث بين الوزير “طعمة” أن العقوبات الأمريكية تعيق التنقيب في تلك البلوكات رغم توقيع عقود مع شركتين روسيتين.

وتبقى أزمة المحروقات في سورية رهن بوقف الحصار الأمريكي المفروض على البلاد وتحرير منطقة الجزيرة السورية من السيطرة الأمريكية ومن سطوة ميليشيا “قسد” التي تتحكم بموارد المنطقة من نفط وغاز وتحرم السوريين منها.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

اقرأ أيضاً: بدء وصول ناقلات النفط إلى بانياس.. هل ستبدأ الأزمة بالانفراج ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى