مقالات

الملف الساخن.. تطورات الشمال والجنوب السوريين

قراءة واعية لا تدعي الهدوء..

الملف الساخن.. تطورات الشمال والجنوب السوريين

 

في الزمن بمعنى التوقيت، ومنذ بداية الحرب على سورية كان نظام أردوغان يسبق دائماً الكيان الإسرائيلي المؤقت بخطوات، سرعان ما يلتحق به الكيان الإسرائيلي بخطوات مماثلة، ما دلالة ذلك؟.

(المنطقة الآمنة – المنطقة العسكرية العازلة)

 

مبكراً نصب نظام أردوغان الخيم، وأقام المخيمات لاستقبال اللاجئين، قام بذلك حتى قبل أن يفكر أحد باللجوء، أو بمغادرة بيته ومنطقته، ما يؤكد أن الدور المرسوم لتركيا – أردوغان، المسند إليه هو أكبر وأخطر من أدوار الآخرين.

لاحقاً، في الأردن كما في لبنان، حصل الأمر ذاته، وإذا كان لم يحصل مثله في الكيان الغاصب، فذلك لأنه سيقوم – حسب تقاسم الأدوار – بدور آخر ووظيفة أخرى ليس آخرها ضمان الاستشفاء للمصابين من الإرهابيين، على أن ما يقدم – بالتكافل – لتنظيماتهم من سلاح وتدريب وتوجيه وتزويد بالمعلومات والخرائط والمخططات، هو من الصلب والأساس في الدور الذي يتشارك فيه مع المنخرطين الآخرين الذين تجمعهم غرف الموك السوداء المزدحمة بضباط الاستخبارات متعددي الجنسيات.

المنطقة الآمنة طرحت بالتزامن مع فارق بسيط في التوقيت، والتسمية، منطقة آمنة، تطورت إلى مناطق آمنة على الحدود السورية التركية. ومنطقة عسكرية عازلة، تقام على الحدود السورية الفلسطينية الأردنية.

تباينت قليلاً مسألة العمق والامتداد، وتحت سيطرة من ستوضع هذه وتلك؟ وجرى في هذا السياق سباق محموم رافقه ضخ إعلامي مرعب وتحشيد سياسي رهيب، شاركت فيه حتى الأمم المتحدة عندما سكتت عن الاعتداء على قواتها “اندوف”، بل عندما ارتضت سحب هذه القوات من منطقة الفصل.

الذين يعانون الهزيمة في دواخلهم، لم يسلموا فقط بقيام هذه المناطق، الآمنة، والعازلة، بل انخرطوا بما أعقبها من طروحات أخرى حالمة واهمة فدرلت سورية وقسمتها إلى أقاليم، دويلات، كانتونات، قبل أن تتمكن سورية بالتعاون مع الأصدقاء والحلفاء من تبديد الأحلام والأوهام التي سيطرت على قوى العدوان، أميركا، إسرائيل، تركيا، الغرب، الأعراب، ودواعش الداخل.

(المنطقة الآمنة مجدداً – تركيا)

 

إذا كانت إقامة المنطقة الآمنة قد فشلت عندما كانت الحرب في ذروتها، وعندما كانت قوى العدوان، أميركا وملحقاتها تعتقد أنها على بعد أيام أو أسابيع من تحقيق أهدافها والهدف المركزي لها، وعندما كانت تنام على تصريح يتحدث عن رحيل القيادة السورية، وتصحو على تصريح آخر لا يتحدث إلا عن الرحيل الحتمي. نقول: إذا كانت فشلت إقامة المنطقة الآمنة والمناطق العازلة آنذاك، فما فرص إقامتها اليوم؟.

إن الإجابة، أو حتى الإجابات المتعددة، عن هذا السؤال وحده كفيل بتقديم الحقيقة الكاملة حول التجدد بالطرح، ذلك بتوقيت إمساك سورية وحلفائها زمام المبادرة في السياسة والميدان..

لا يخفى على أحد أن تجديد طرح “الآمنة” الآن، له علاقة بما يجري في أوكرانيا أولا، وبما يجري على الساحة الإقليمية والدولية، ثانياً.

وإذا كان مما لا يخفى أن الولايات المتحدة ما زالت على أحلامها التي أدركت صعوبة أو استحالة تحقيقها، فإنها اليوم تجد المناسبة لمحاكاتها مجدداً، عبر محاولة الشد بالوضع إلى الخلف إعادة له إلى المربع الأول، يؤكد ذلك حركة قواتها والتعزيزات، محاولة إحياء الدواعش بين فترة وأخرى، إضافة إلى محاولة إيقاظ الخلايا النائمة في الجنوب، وتأجيج الوضع هناك مرة بالعودة إلى الاغتيالات والتصفيات الجسدية، وأخرى بالتعبير عن العصيان والتمرد، ذلك في الطريق الى تنفيذ الانقلاب على ما جرى في مسار المصالحات الوطنية. وهنا لا يمكن استبعاد إحياء الغرف السوداء وتنشيطها مع ملاحظة أنها لم تغلق يوماً.

هذا المذهب في القراءة لما يجري، في الشمال لجهة تجديد طرح “الآمنة”، وفي الجنوب لناحية تسعير الوضع وتوتيره، ضربا للاستقرار النسبي الناجز، بمقدار ما هو واقعي بالرصد والفهم، بمقدار ما هو متيقظ لمواجهة كل السيناريوهات المحتملة، التي لا تغيب حساباتها عن دمشق، الجيش والقوى الأمنية، وعن الأصدقاء والحلفاء، الذين يسجلون إلى جانب جيشنا الباسل حضوراً كبيراً في المناطق التي يراد تجديد الهجمة انطلاقاً منها، ذلك خلافا لما تم تداوله من قبل البعض: من أن الحليف الروسي ينسحب، يخرج، يسحب قواته لزجها على جبهات أوكرانيا، وخلافا لما تخيله بعض آخر لجهة وجود ضغوط وخلافات حول ما سمي بمسألة ملء الفراغ الافتراضي الذي سيحدثه الانشغال أو الانسحاب الروسي.

(تركيا تبحث عن مكان، عن المكانة والدور)

 

صخب تصريحات أردوغان، نظامه والحواشي، هو “زعبرة” وحفلة مجون ومساومات، للاوروبي، للأميركي، للروسي، وللداخل الذي سنأتي على بيان أسبابه الخاصة بتوقيت الصراع السياسي الداخلي، والاستحقاقات الانتخابية المصيرية لأردوغان ولخصومه ومنافسيه.

الهواة في السياسة، ليس من يحترفها، صاروا يعرفون أن لعبة أردوغان رخيصة. هي خطيرة لكنها جدا رخيصة ومكشوفة، هو يلهث خلف صفقة الطائرات مع أميركا، لكنه يريد “اس ٤٠٠” الروسي، يحلم بعضوية الاتحاد الأوروبي لكنه يألم من خذلان الناتو له، يتحالف مع الكيان الإسرائيلي لكنه يتوهم تنصيبه الخليفة الحامي للقدس، هوسه إبعاد الأكراد عن حدوده بتغيير ديمغرافي داخل الأراضي السورية، لكن وجعه الأساسي كرد تركيا الذين يمارس القهر والإذلال والقمع والتصفية لهم وضدهم.. أردوغان كتلة من العقد والشوائب والمشكلات، ولولا موقع بلاده المهم لكان اليوم في مكان آخر، هو يعرف مآله النهائي، السجن والمحاسبة، أو الموت شنقاً، بالحالتين لا مستقبل سياسياً لحزبه وطغمته الإخوانية، ولذلك فهو يستميت بمحاولة الاستئثار والتفرد بالسلطة.

نظام أردوغان يضغط، يساوم لتحسين شروط بقائه لاعباً دولياً إقليميا في كل الملفات، يتلاعب “يزعبر” بالمنطقة الآمنة سعياً لتحقيق مكاسب سياسية انتخابية، فملف اللاجئين السوريين، أحد أهم الملفات الخاضعة لتجاذبات سياسية حادة بين الأفرقاء في الداخل، وقد استخدم ذلك من قبل في معاركه الداخلية السابقة، بغصن الزيتون ودرع الفرات ونبع السلام.

وإذ يسعى لتمرير المزيد من الرسائل للداخل والخارج، بالعربدة والزعبرة والتهديدات، فإنما يفعل بحثاً عن مكاسب ومكتسبات إن لم يحصلها، فسيلقى مصيرا أسوأ مما يتحدث عنه الكثيرون.

وأما الذي ردعه، ويردعه، فالرسائل التحذيرية التي وصلته مباشرة من الميدان، حيث التعزيزات العسكرية الواصلة للتو إلى حلب، الحسكة، الرقة، وحيث الحركة الجوية والحضور المكثف، هي الرسائل الفاصلة، لا امتناع واشنطن عن منحه الموافقة، ولا معارضة الأمم المتحدة لأي عملية عسكرية، وليبقى الرفض الإيراني ذو معنى بليغ لا يجهله السلطان الواهم، وقد استمع ذات مرة في طهران لنبرة أخطأ عندما كان يعتقد أنها لن تبلغ ما بلغته، وأبلغته.

(التحشيد والتهديد شيء، والتنفيذ شيء آخر)

 

لا مناطق آمنة في الشمال ستقوم أو تقام، ولا فرصة سانحة لإجراء تغييرات ديمغرافية لن تحصل في أي وقت من الأوقات، وإذا كان أردوغان يتوهم وقد استيقظ أو لم يستيقظ، فإن الفرصة بالتوبة ستبقى متاحة لوقت محدود للانفصاليين، للعودة، للتفلت من الوهم الذي زرعته واشنطن فيهم، فالعودة تسحب ذرائع التهديد والوعيد بالاعتداء، تحفظ الديار والأهل والثروات، وتوحد وجهة البنادق باتجاه المحتل الأميركي الذي يستثمر بهؤلاء، بجعلهم يشترون الوعود والادعاءات، ومؤكد لن يتطاول الوقت قبل أن يتركهم لمواجهة مصيرهم كما فعل مع آخرين غير مرة، أفغانستان آخر أنموذج حي ماثل.

تحشد تركيا، كلاميا بتصريحات نارية، لكن التحشيد والتهديد شيء، والتنفيذ شيء آخر، تماماً كما تفعل أميركا اليوم في أوروبا وأوكرانيا، وغدا ربما مع تايوان!.

إذا كان العجز إلا عن التهديد والتحشيد بات سمة من سمات محور الشر والعدوان الأميركي، فذلك لأن التنفيذ سيبقى الحلقة الأخيرة والسهم الأخير في جعبة تفرغ سريعاً بفعل غير مجد يمارسه فاعل غير منضبط متهور ينتحر وينحر معه جوقة التابعين.

 

(همروجة الجنوب، التهريب والمخدرات)

 

التزامن، المشار إليه أعلاه، في الطرح أولاً: مناطق آمنة، ومنطقة عازلة، إذا كان يتجدد اليوم بمقولات يتداولها الإعلام، وتنسب لمصادر أمنية مرة، ومقربة عليمة مرة أخرى، ذريعتها ضبط تهريب مخدرات وغيرها، بهدف التحشيد والتهديد بالعودة إلى مربعات تهدمت أضلاعها الأربعة، فإنها الهمروجة التي لا تصلح حتى لتكون إلا نكتة سمجة، فسورية ليست بلد زراعة، ولا إنتاج، للحشيش والمخدرات، بل حتى بالتعاطي والإتجار لا وجود لها في التصنيفات الدولية، ليبقى العبور بالتهريب قائماً تتساوى فيه دول العالم، خاصة أن ما يتم سوقه بالزعم والإدعاء يدين صاحب الادعاءات وحلفائه، ذلك أن التهريب المزعوم يتم من مناطق، وعبر مناطق غير رسمية وتقع تحت سيطرة المحتل الأميركي لا السلطات السورية الشرعية.

 

إن محاولة ركوب موجة التصعيد بتركيب روايات وفبركة أخرى، بالتوازي مع محاولة الانقلاب على المصالحات الوطنية بتأجيج الوضع في الجنوب، تهيئة لسيناريوهات من شأنها أن تخلق أو تهيئ لأجواء تدخل عبرها حكومة الاحتلال الإسرائيلي إلى المشهد، هي المحاولة البائسة اليائسة، سترتد على نفتالي بينيت المأزوم بائتلافه، المحاصر بالخيبات، المسكون بهواجس التفكك والانهيار وسط انقسامات داخلية غير مسبوقة في تاريخ الكيان الذي يعيش عقدة العقد الثامن.

لا نقلل من حجم المخاطر والتهديدات، لا نستخف بالتحديات في ظل التحولات السياسية الكبرى والاقتصادية العظمى الجارية، غير أن سورية لا تؤخذ بالتهويل، ولا يترك أثراً بتحالفاتها القوية المتينة. لقد قطعت أكثر من ثلثي الشوط، يدها الواثقة على الزناد. مع الحلفاء الصادقين المخلصين، الصادقين، ثم الصادقين تتقدم. بالحكمة والثبات، تقرأ، تبني، تؤسس لمرحلة، وضوح ملامحها ومرتسماتها، هو ما يضاعف مخاوف العدو ويفقده التوازن.

علي نصر الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى