مقالات

الكاتب عبد الباري عطوان يُحلل العدوان التركي الأخير على سورية

الكاتب عبد الباري عطوان يُحلل العدوان التركي الأخير على سورية

 

شنت طائرات حربيّة تابعة للاحتلال التركي، الأحد، غارات جوية على أكثر من 90 هدفًا في المناطق والنقاط العسكريّة الكرديّة في ريفيّ حلب والحسكة، وشِمال العِراق، التابعة لـ “وحدات الحماية الشعبيّة” المُتّهمة بكونها الذّراع العسكري لـ “حزب العمّال الكردستاني” في الأراضي السوريّة.

ورأى الكاتب عبد الباري عطوان، في مقال له بصحيفة “رأي اليوم”، أن هذه الغارات تعكس تصعيدًا عسكريًّا، وحالةٍ من الارتباك تتفاقم في صُفوف السّلطات التركيّة وقيادتها بعد عمليّة التفجير الإرهابيّة التي وقعت في شارع بإسطنبول.

وقال الكاتب: ربّما تُحَقِّق هذه الغارات أهداف الرئيس رجب طيّب أردوغان وحزبه في الثّأر من المُتّهمين بالوقوف خلف تلك العمليّة الإرهابيّة، وإظهاره بمظهر القائد الصُّلب في مُواجهة الإرهاب، ولكنّ نتائجها المُستقبليّة قد تكون كارثيّة عليه، و”حزب العدالة والتنمية” الذي يتزعّمه، مع اقتِراب موعد الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة في حزيران المُقبل.

وأشار الكاتب، إلى أن أخطر جوانب هذه الغارات استهداف مواقع للجيش السوري، واستشهاد عدد من جُنوده، ممّا قد يُؤدّي إلى نسف كُل ما حقّقته المُفاوضات الأمنيّة بين رئيسيّ جهاز المُخابرات في تركيا وسورية، من نجاحٍ وتأجيل، وربّما إحكام إغلاق الأبواب، في وجه المُبادرة الروسيّة التي تُريد ترتيب قمّة ثُنائيّة لرئيسيّ البلدين تحت رعايتها للتوصّل إلى اتّفاقٍ تنسيقيٍّ يُحقّق الأمن على حُدود البلدين يُنهي الانتهاكات الإرهابيّة، وتقليصها والاحتِلال التركي لأراضي سوريّة في الشّمال ويُعيد العلاقة الاستراتيجيّة السّابقة بين الجانبين.

وأضاف أن هذه الغارات الانتقاميّة قد تأتي بنتائجٍ عكسيّة، أيّ تُؤدّي إلى تصعيدِ الهجمات من قِبَل “حزب العمّال الكردستاني”، و”وحدات الحماية الشعبيّة” في العُمُق التركي ممّا سيُؤثّر حتمًا وبطَريقةٍ سلبيّةٍ على الأمن، وصناعة السّياحة التركيّة التي تدر أكثر من 25 مِليار دولار سنويًّا على الخزينة التركيّة وتوفير مِئات الآلاف من الوظائف، وبدأت أخيراً تدخل مرحلة التّعافي بسبب الاستِقرار الأمني وانتهاء خطر فيروس كورونا، واحتمال هُروب الكثير من الاستثمارات الأجنبيّة إلى ملاذاتٍ أكثر أمنًا في أوروبا في وقتٍ يُواجه فيه الاقتصاد التركي أزمات طاحنة أبرزها اقتراب مُعدّلات التضخّم من حاجز التّسعين في المئة، ممّا سيُفاقم من غلاء المعيشة، وانخفاض العملة الوطنيّة وارتِفاع مُعدّلات البطالة.

الكاتب عبد الباري عطوان يُحلل العدوان التركي الأخير على سورية
الكاتب عبد الباري عطوان يُحلل العدوان التركي الأخير على سورية

ولفت الكاتب إلى أن البيان الرسمي التركي الذي قال إن هذه الغارات تستهدف “الإرهاب في منبعه” لم يكن دقيقًا، فالجُنود السوريين الذين استشهدوا في هذه الغارات لم يُمارسوا، ودولتهم، أيّ إرهابٍ ضدّ تركيا، بل ما حدث، ويحدث، هو العكس تمامًا، ولا نستبعد أن تُؤدّي هذه الغارات إلى تحقيقِ مُصالحةٍ بين الدولة السوريّة و”الأكراد” المُتمرّدين على سِيادتها في الشّمال، وتوسيع دائرة الحرب ضدّ الاحتِلال التركي للمناطق الشماليّة السوريّة.

وحول تصريح الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، أنه سيُقدِم على إعادة العلاقات مع كُل من مِصر وسورية، بعد الانتِخابات التركيّة الصّيف المُقبل يُنْبِئ بأن جُهود المُصالحة بين أنقرة وكُل من دِمشق والقاهرة ربّما وصلت إلى طريقٍ مسدود، إن لم يكن قد فشلت وانهارت كُلِّيًّا، كذلك فإن هُناك خطّة تركيّة لتصعيد المُواجهات والغارات العسكريّة في الأشهر الستّة القادمة، خاصَّةً ضدّ سورية، وتوسيع “مناطق آمنة” لترحيل المزيد من اللّاجئين السوريين بالقوّة إليها، ممّا يعني تكريس الاحتِلال التركي وتوسيع مناطقه، وزيادة حالة عدم الاستِقرار في المِنطقة برمّتها.

ورأى الكاتب، أن استعادة العلاقات التركيّة مع كُل من مِصر وسورية يجب أن يكون طريق من اتّجاهين، وليست إملاءً تُركيًّا من جانبٍ واحد، فإذا كانت هذه العلاقات قد انقطعت، فإن ذلك جاء كرَدّ فعلٍ على التدخّل التّركي الرّسمي في الشّؤون الداخليّة في البلدين، ولا يُمكن استعادة العلاقات إلا بعد وقف هذا التدخّل جديًّا وكليًّا، وأزالت كُل الكوارث التي ترتّبت عليه، وأبرزها التوغّل العسكري في الأراضي السوريّة.

وأكد الكاتب، أن الرئيس أردوغان ارتكب خطيئةً كُبرى عندما شنّ هذه الغارات بطريقةٍ عشوائيّةٍ، واستهدف مراكز للجيش السوري، مدفوعًا بنزعة الانتقام والثّأر، وليس بالحِسابات السياسيّة والأمنيّة الدّقيقة، ولعلّ “سليمان صويلو” وزير الداخليّة التركي وضع إصبعه على الجُرح عندما اتّهم أمريكا بالوقوف خلف العمليّة الإرهابيّة الأخيرة في ميدان تقسيم، ورفض تلقّي التّعازي بالضّحايا من قِبَل السّفارة الأمريكيّة في أنقرة، فأمريكا هي فِعلًا الدّاعم الأكبر للحركات الانفصاليّة الكُرديّة سواءً في سورية أو العِراق أو تركيا.

وختم الكاتب بالقول، في إشارة للرئيس أردوغان: بضاعتكم رُدّت إليْكُم يا سيادة الرئيس، وأوّل خطوة لتصحيح هذه الخطيئة، والقضاء على الإرهاب، هي باستِعادة العلاقات فوراً مع دِمشق والقاهرة، وبِما يُحَقّق مصالح جميع الأطراف، فربّما يُساعد هذا التوجّه في تحسين فُرص الفوز في الانتِخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة معًا، لأنّ الفوز غير مضمون، والبديل كارثي بكُل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.

كليك نيوز

اقرأ أيضاً: التعافي المبكر والعرقلة الغربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى