مقالات

الغذاء أساس أمن المجتمعات واستقرارها

الغذاء أساس أمن المجتمعات واستقرارها

 

مر يوم الأغذية العالمي هذا العام وسط تفاقم أزمات الجوع في العالم وتضاعف عدد الجياع الذين يواجهون خطر الموت جوعاً وحرباً وحصاراً.

وفيما الأمم المتحدة ومنظماتها المعنية منشغلة بصرف ملايين الدولارات لإحصاء عدد الجياع وعقد المؤتمرات والندوات والاحتفالات إحياء لهذا اليوم، يفقد ملايين البشر حياتهم بسبب عدم قدرتهم على تأمين قوت يومهم.

تقول آخر إحصائيات الأمم المتحدة التي أطلقتها في تقرير تحت عنوان “حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2022” بمناسبة يوم الأغذية العالمي، أن عدد الجياع في العالم قد ارتفع إلى حوالي 828 مليون شخص عام 2021، بزيادة 46 مليون شخص عن عام 2020 وزيادة 150 مليون شخص عن عام 2019، وأن العالم يبتعد أكثر فأكثر عن تحقيق هدف القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي بحلول عام 2030.

ويعزي التقرير تفاقم انعدام الأمن الغذائي في العالم إلى أسباب عدة منها النزاعات الداخلية، والتقلبات المناخية المتطرفة، والصدمات الاقتصادية المرتبطة بـ “كوفيد 19″، لكنه لم يشر إلى دور الحصار الذي تفرضه بعض الدول الغربية ضد الدول النامية كسورية وإيران وكوبا وفنزويلا في مفاقمة الجوع وانعدام الأمن الغذائي!!

الغذاء أساس أمن المجتمعات واستقرارها
الغذاء أساس أمن المجتمعات واستقرارها

لاشك أننا في سورية لسنا معزولين عما يتعرض له العالم سواء من تداعيات الحروب أم من التبدلات المناخية، بل نحن في عين الإعصار الذي يهدد العالم بسبب 11 عاماً من الحرب الإرهابية التي تواجها البلاد وتداعياتها على قطاعات الإنتاج الزراعي والصناعي، وكذلك بسبب التبدل المناخي واحتباس الأمطار، وسرقة تركيا حصة سورية من مياه نهري دجلة والفرات، وسطو ميليشيا “قسد” على مصادر الطاقة ومحاصيل القمح والقطن في الجزيرة السورية بدعم من المحتل الأمريكي، وتداعيات كل ذلك على حياة السوريين وقدرتهم على تأمين احتياجاتهم الغذائية.

وبحسب بيانات الأمم المتحدة فإن نحو 12 مليون سوري يواجهون مشكلة انعدام الأمن الغذائي في ظل الحرب والتبدلات المناخية وموجات الجفاف، حيث واجهت البلاد في شهر آذار عام 2021 أسوأ موجة جفاف منذ عقود، ما أثر على وصول ملايين الأشخاص إلى مياه الشرب والري، وتعرضت المحاصيل الزراعية ومنها القمح إلى أضرار بالغة، حيث انخفض الإنتاج من إلى حوالي مليون طن فقط عام 2021 بعد أن بلغ 4 مليون طن قبل الحرب.

الغذاء أساس أمن المجتمعات واستقرارها
الغذاء أساس أمن المجتمعات واستقرارها

لكن والحال كذلك ماذا علينا أن نفعل؟ هل نستكين لهذه الصورة القاتمة أم ننهض ونبادر ونعمل على استنباط الحلول الجريئة في المواجهة؟ من يتحمل المسؤولية الأكبر في هذه المواجهة المواطن أم الحكومة بكل مفاصلها التنفيذية؟

إن دور الحكومة أساسي في المواجهة، فالفلاح والمزارع السوري أثبت قدرة عجيبة على التحمّل والتكيف مع ظروف الحرب والحصار والتبدل المناخي، واستمر في الزراعة والإنتاج رغم الخسائر التي يتعرض لها في كثير من الأحيان، مقابل استمرار الحلقات الوسيطة من سماسرة وتجار في جني الأرباح على حساب المواطن سواء كان منتجاً أم مستهلكاً.

لذلك لابد من إعادة توجيه السياسات الزراعية وقنوات الدعم الزراعي بشكل يستطيع معه المزارعون والفلاحون إنتاج احتياجات البلاد الأساسية من الغذاء المتمثل بالقمح والبقول والخضروات والأشجار المثمرة من حمضيات وزيتون وتفاحيات.
إضافة إلى الإنتاج الحيواني وتأمين الدعم المناسب لهذه القطاعات كي تنتعش وتزدهر، بحيث يستطيع السوريون تحقيق أمنهم الغذائي والقضاء على الجوع الذي يتربص بهم.

الغذاء أساس أمن المجتمعات واستقرارها
الغذاء أساس أمن المجتمعات واستقرارها

وهذا لن يتحقق مالم تعمل الحكومة بشكل حقيقي على خفض كلف الإنتاج على الفلاحين والمزارعين ومربي الثروة الحيوانية وزيادة قدرتهم على الإنتاج من خلال تخصيص التمويل المناسب لتأمين متطلبات الزراعة من أسمدة وبذور ووقود ومبيدات حشرية بأسعار مدعومة.

وتوفير مياه الري عبر خطط اسعافية سريعة تساهم في حصاد مياه الأمطار وتخزينها في السدود لري المزروعات في أوقات احتباس الأمطار، والعمل على استثمار كافة المناطق الزراعية التي تسيطر عليها الدولة لحين استعادة مناطق الجزيرة السورية.

إن انعدام الأمن الغذائي في سورية لا يرتبط بغياب المواد والسلع الغذائية من الأسواق بقدر ما يرتبط بأسعارها المرتفعة التي لا تتناسب مع مداخيل الشريحة العظمى من السوريين.

ولمن لا يعلم فإن الأسرة السورية غير قادرة على تأمين احتياجاتها الغذائية الأساسية على أساس شهري، وقد قامت معظم الأسر تحت ضغط الأعباء المادية بتخفيض إنفاقها على أكثر السلع ضرورة إلى أدنى مستوياتها كالبيض والأرز والبرغل والزيت والألبان ومشتقاته.

وحذفت سلعاً أساسية أخرى من قائمة احتياجاتها كاللحوم بأنواعها والفواكه والحلويات ناهيك عن احتياجات اللباس والتنقل التي تتم في أدنى حدودها أيضاً.

أمام هذا الواقع المطلوب تخفيض كلف الإنتاج ولاسيما السلع المنتجة محلياً من خلال توجيه الدعم ليس لشراء السلعة بل لإنتاجها بأسعار مخفضة، بحيث تستعيض الأسر السورية عن المواد المستوردة والاكتفاء بما ينتجه البلد، وهو إنتاج متنوع وغني ويستطيع تأمين احتياجات السوريين من غذاء ولباس وتحقيق الاكتفاء الذاتي كما حققناه سابقاً.

الغذاء أساس أمن المجتمعات واستقرارها
الغذاء أساس أمن المجتمعات واستقرارها

إن الأمن الغذائي هو أساس الأمن الاجتماعي واستقرار المجتمعات، ويتوقف عليه استقرار الأسرة مادياً واجتماعياً، وفي غيابه ترتفع معدلات الجريمة من خطف وقتل وسرقات وعمليات سطو.

ويمكن القول إن أمن المجتمع واستقراره مرتبط إلى حد كبير بمدى قدرة الناس على تحقيق اكتفائهم من الغذاء والدواء وشعورهم بأن لقمة الغد متوفرة ولا خوف عليها.

وبدون الأمن الغذائي والأمن الاجتماعي فإن المجتمعات مقبلة على مزيد من التفكك والانحلال وارتفاع منسوب الفساد وسيطرة المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة، ومع تفاقم المشكلة تتحول إلى صراع ظاهر بين الناس ويفقد المجتمع أمنه واستقراره وينعكس ذلك على الدولة وكيانها.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية أزمة الغذاء والوقود في سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى