مقالات

الخيبة الأمنية تنسحب خيبات.. تنتج أزمات

الخيبة الأمنية تنسحب خيبات.. تنتج أزمات

 

“بني براك”، “ديزنغوف”، ما سبق، وما هو قادم، انتهى ولم ينته. انتهى بمفاعيل وتداعيات، منها استقالة “عيديت سيلمان” وعودة “الائتلاف” إلى المربع الأول، ناهيك عن الصدمة، الخيبة الأمنية، المرشحة لتنسحب خيبات ولتنتج أزمات داخلية، سياسية، اقتصادية.

انتهى إلى ما هو أبعد وأعمق، إذ تكفي نظرة تلاحق ما يشغل “معهد دراسات الأمن القومي في الكيان المؤقت”، الحكومة، وائتلافها المهزوز غير المستقر وغير المتجانس، ليتم اكتشاف أن ذلك لم ينته، ولن ينتهي إلا لإنتاج خيبات أخرى تبين حجم الفشل والاخفاق وتوصفه على حقيقته، أو تزيده وضوحاً بما ينطوي عليه من تحديات كبرى لا تخفى.

صحيفة “معـ.ـاريف” العبـ.ـرية التي لم يتوقف حديثها عن “حالة الصدمة” وعن ما سمته “وجوب الاستعداد لمرحلة جديدة مختلفة من المواجهة” وعن “غياب الاستراتيجية في التعامل مع التدهور الأمني”، التقى معها حديث “يديعوت احرنوت” عن إخفاق المؤسسة الأمنية الاسـ.ـرائيلية، وعن قدرة الجانب الآخر على نقل المواجهة إلى عمق الكيان.

الصحافة العـ.ـبرية على اختلاف المسافة التي تفصلها عن “ائتلاف بينيت” تؤكد اليوم أن ما حدث مؤخراً هو ضربة في البطن الرخوة للاسـ.ـرائيلـ.ـيين، أنتج مأزقا سياسياً، وسينسحب مشكلات لن ينفع معها ما يطرح من محاولة الهروب إلى الأمام، ولا محاولة استحضار تجارب “موشي ديان” و”شمعون بيريز” و”اسحاق رابين” و”ارئيل شارون”، كما لن تنفع محاولات التهدئة بالاعتماد على شركاء خارجيين في إشارة إلى أطراف منخرطة بالتطبيع ويعتقد أن نفوذاً تمتلكه ويمكنها إستخدامه لتحييد القدس على أقل تقدير حالياً بتوقيت شهر رمضان.

الكيان المؤقت الذي يدرس في هذه الأثناء خياراته في الرد، وفي التعامل مع هذا النوع من العمليات، يعرف أن كل السيناريوهات التي توضع على طاولة البحث تكاد تؤكد أن التدهور سيضرب عميقاً إن لم يكن قد ضرب في العمق فعلا، وإذا كان لم يعترف بالعجز فذلك لأنه لا يملك المزيد منها.

مراكز البحث والدراسة في الكيان بآخر ما صدر عنها من احصائيات تشير إلى أن نسبة التراجع في الحركة التجارية بلغت ٧٠ بالمئة، وتؤكد أن هذه الإحصائيات أنجزت قبل عملية “ديزنغوف” التي ألقت الذعر وعكست فقدان الأمن بالكيان، هو ما يعني أن مجتمع المستـ.ـوطنين يتملكه الخوف، وأن بيئة النخبة منشغلة ربما ببحث خيارات أخرى بينها “حزم الحقائب” وليس فقط في حساب حجم الخسائر.

سياسيون في الكيان المؤقت لم تخف تصريحاتهم المخاوف، بل على نحو غير مسبوق تساءلوا عن مدى صعوبة أو استحالة إستعادة الحياة مسارها الطبيعي: هل التحصينات تمنع؟ هل حمل السلاح يحمي؟ هل نشر القوات الأمنية عند كل زاوية يجدي؟ هل تحول كل المجتمع إلى قوات شرطية يردع؟ وفي ظل هذا، هل تكون الحياة طبيعية؟.

هذا النوع من الأسئلة الثقيلة لطالما بدأ طرحه من قبل السياسيين لا المستـ.ـوطنين، فإن ذلك سيؤشر إلى ما هو أعمق من هشاشة تجبر “ائتلاف نفتالي بينيت” بهذه الأثناء على اتخاذ قرار يمنع الاستفزازات كاقتحام باحات الأقصى، تحييدا للقدس وسعياً للتهدئة فيها.

قوس الحلول والبدائل، مروحة الإجراءات، التي يتم بحثهما ومراجعتهما لإطفاء الأزمات أو لمعالجة الخيبة الأمنية، هي إن لم تكن اجتراراً لتجارب سابقة، فهي تكرار للتجربة التي لن تأتي بنتائج مغايرة، هو الأمر الذي سيؤكد حالة العجز ويبقي الكيان بحالة مراجعة دائمة لا تتراجع معها السخونة ولا يتوقف معها التدهور، بل تغلق الخيارات على محاولة الاحتواء التي تحتاج لبيئة لا تتوفر في الطبقة السياسية الأمنية الداخلية، ولا تستطيع واشنطن تقديم شيئ مفيد لها، وبالتأكيد لن يتمكن الحلفاء الجدد “المطبعون” من تقديم ما من شأنه أن يحدث الفرق.

اليوم مزاج فلسطينيي الداخل هو في مكان آخر، هذا ما أثبتته التطورات المتحركة الأخيرة، هو ما بات الاسـ.ـرائيـ.ـليون يسمونه بـ “الخطر الإضافي” الذي هو في طور التوسع، وهو ما صار يبشر بمستقبل سيطوي حتماً صفحة الوهم من أن هؤلاء لا تشملهم حسابات أو احتمالات توحد الفلسطينيين.

إن كل المؤشرات تؤكد حقيقة أن المعركة القادمة فاصلة، أو ينبغي أن تكون كذلك، هو ما يجب التقاطه والعمل عليه من جانب فصـ.ـائل المقـ.ـاومة والنخب لتعميق خيبات وأزمات الكيان، ولفتح غير ثغرة في الجدار القابل للهدم مرة واحدة، بانتفاضة شاملة، وبحركة موحدة على الجبهات المتعددة الممتدة من الـقـدس إلى الـضــفة والـقـطـاع، النـقـب ومــدن ٤٨ .. الفعل المؤثر يجعل الـقـدس أقرب طالما فيها يقيم، وإن غداً لناظره قريب.

علي نصر الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى