مقالات

الحرب الأوكرانية الكاشفة

الحرب الأوكرانية الكاشفة

 

إذا كانت المصالح تصنف بين أهم وأقوى العوامل التي تجعل الدول تتقارب، تتحالف، أو تتخاصم وتتصارع، فإن الأزمات، الحروب، تفرض ذاتها كمحك واقعي للعلاقات يبين قوتها من هشاشتها، وتتكشف معه هذه العلاقات سريعاً في حقيقتها وأسس مبناها.

منذ اللحظات الأولى لبدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في إقليم دونباس، كان ربما من الطبيعي أن يشهد العالم ما شهده من انقسامات واصطفافات، وكان من المتوقع أن يرى الانقسام الحاصل في القارة العجوز، غير أن الذي لم يكن واضحاً – وقد تعرى – هو ما شكل الموقف الذي سيكون عليه، أو الذي سيتخذ في تركيا، وفي الكـ.ـيان الإسـ.ـرائيـ.ـلي المؤقت.

الحرب الأوكرانية بمقدار ما كانت حاجة روسية لحماية أمنها القومي واستقرارها أجبرت موسكو على خوضها لمواجهة التهديدات الغربية الأميـ.ـركية من بعد رفض واشنطن – الأطلسي ملاقاتها في منتصف الطريق، وكان ذلك ممكناً بالرد الإيجابي على رسالة التعهدات الأمنية، بمقدار ما أصبحت الحدث المهم والكاشف لوقائع وحقائق تاريخية كان الصمت يلفها، والتزوير يغلفها، وممنوع مجرد الاقتراب منها.

الآن ربما صار أكثر وضوحاً لماذا وكيف تم إلغاء القرار الدولي الذي ساوى الصهـ.ـيونيـ.ـة بالعنـ.ـصرية، والذي اعتبرها شكلا من أشكال التمييز العنـ.ـصري ١٩٩١، أي مباشرة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق الذي أدى لاختلال موازين القوى الدولية لمصلحة القطبية الأحادية الأميركية.

العالم بين حرب عالمية وحرب نووية.
إقرأ أيضاً : العالم بين حرب عالمية وحرب نووية.

هناك من راهن على أن موقف الحياد الاسـ.ـرائيـ.ـلي من الحرب الأوكرانية لن يصمد طويلاً، وهناك من توقع أيضاً ألا يدوم الموقف التركي الحيادي الذي يتغطى حتى الآن بالوساطة التي يدعيها نظام “أردوغان”، وقد انكشف كليا موقف الكـ.ـيان، فيما تكشف موقف أنقرة جزئياً مع إعلان نظام “أردوغان” إغلاق المضائق البحرية وأجوائه أمام حركة السفن والطيران الروسي.

التصويت الاسـ.ـرائيـ.ـلي على استبعاد روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتصريحات “يائير لابيد” التي اتهم فيها موسكو بارتكاب جرائم حرب بأوكرانيا، والمجاهرة بالاصطفاف خلف الغرب وأميركا بمسألة العقوبات وتطبيقها، إضافة إلى إعلان رئيس الكيـ.ـان “إسحاق هرتسوغ” دعم كييف، وتقديم المساعدات العسكرية لها، واستدعاء السفير الروسي للاعتراض على تصريحات “سيرغي لافروف” وزير الخارجية الروسية، هي تطورات متسارعة لم تدع مكاناً للعلاقة مع موسكو، بل إنها تدمرها، وتكشف عن عداء معلن تثبته المرتزقة التي أرسلها الكـ.ـيان المؤقت لتقاتل في أوكرانيا إلى جانب كتائب النـ.ـازيـ.ـين الجدد هناك.

“نفتالي بينيت” هو الآخر الذي اعتبر تصريحات الوزير “لافروف” بشأن أصول “هتلر” في غاية الخطورة، مدعياً أنها لا تعكس الحقيقة وأنها أكاذيب هدفها إلقاء اللوم على اليهـ.ـود، كشف عن جانب مهم بموقف حكومته وكيـ.ـانه، لكن ذلك لا يبدو الأمر الأكثر أهمية مع ما سيتكشف من حقائق تتصل بدم “هتلر”، وما تم وضعه من روايات بقي مجرد الاقتراب منها تهمة جاهزة كفيلة بتجريم أي أحد بجريمة معاداة السـ.ـامية التي من شأنها أن تنهي مستقبله السياسي وتعرض بلاده لهجوم وعزلة سياسية، بل لما هو أشد خاصة مع تفرد الولايات المتحدة وهيمنتها على العالم، ومع انحيازها للكـ.ـيان وتبنيها لسياساته وممارساته العنـ.ـصرية.

اجتماع "رامشتاين"
إقرأ أيضاً : اجتماع “رامشتاين”

ما يجري من مباحثات تركية اسـ.ـرائيـ.ـلية سرية وعلنية بشأن إنشاء خطوط للغاز في المتوسط لإمداد أوروبا، لا تنفصل عن إجراءات إغلاق المجال الجوي التركي والمضائق بوجه روسيا، ولا عن المواقف الاسـ.ـرائيـ.ـلية المعادية لموسكو، بل هي الحزمة المتكاملة التي يتم تنسيقها بمعرفة الولايات المتحدة وتحت إشرافها، لتتكامل مع محاولات استنزاف روسيا وخنق اقتصادها وتدميره.

يقال: إن بين روسيا وتركيا ما صنع الحداد، في إشارة واضحة إلى حدة الخصومة بينهما وكثرة خلافاتهما التاريخية وتباعد المسافات في مواقفهما، فهل تكون أوكرانيا اليوم المناسبة الكاشفة لذلك كله ولتكاذب نظام “أردوغان” ومراوغته؟ بل الأهم ربما، هل تكون الحدث الكاشف لحقيقة دم “هتلر” والجرائم النـ.ـازيـ.ـة والأدوار المكتومة لآخرين فيها؟ ومن كان يتوقع قبل هذا الحدث أن يتكشف بأقل من ثلاثة أشهر ما بقي مخفياً ومن الممنوع التحدث فيه إلا كمسلمة الويل لمن ينكرها أو يشكك بصحة روايتها؟.

لطالما تم فتح دفاتر الماضي التي تملك روسيا محتويات مهمة منها إن لم تكن كل المحتويات، فإن نظريات الزوال لن تبقى نظريات، ذلك مع توفر عناصر إسناد جديدة ترجح تسارع التقدم باتجاهه.

 

علي نصر الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى