مقالات

التقارب السوري التركي.. أين وصل؟ 

التقارب السوري التركي.. أين وصل؟ 

 

خفت صخب الحديث عن المصالحة السورية – التركية بعد أن كانت على مدار شهر تقريباً حديث المسؤولين الأتراك والروس وأحد أبرز عناوين الأخبار الرئيسية في العالم، فهل تراجع “أردوغان” عن حماسه للمصالحة بعد أن واجه موقفاً حازماً من دمشق بضرورة تقديم تعهدات وخطوات على الأرض للانسحاب من الأراضي السورية قبل أية خطوات تقارب على المستوى السياسي؟

هل كان “أردوغان” يعتقد أن دمشق سوف تفتح ذراعيها لملاقاته بعد عقد من العدوان والاعتداء واحتلال مساحات واسعة من الأراضي السورية في المناطق الحدودية، بمجرد إعلانه عن رغبته بالمصالحة معها؟

أم هل كان يتصور أن سورية سترحب به بدون أن يقدم تنازلات تتعلق بمطالبها المحقة بوقف دعم الإرهابيين وسحب قواته المحتلة من أراضيها؟

لقد أكدت دمشق بعد صمت مدروس، أنها لن تعطي الرئيس “أردوغان” أوراقاً مجانية يصرفها في الانتخابات الرئاسية بدون أن تحصل منه مقابل ذلك على انسحاب تركي من الأراضي التي تحتلها القوات التركية.

وهذا من بديهيات المنطق الذي ينبغي على أنقرة أن تدركه، لكن يبدو أن رئيس النظام التركي كان يعول على ضغط روسي على القيادة السورية لملاقاته في منتصف الطريق للتخلص من ميليشيا “قسد” التي تشكل هاجساً مشتركاً للطرفين دون سواها من قضايا.

وبالرغم من أن سورية مهتمة بإنهاء الحالة الشاذة لميليشيا “قسد” المدعومة من الاحتلال الأمريكي، وتفكيك سيطرتها على الجزيرة السورية وعلى مصادر الطاقة الرئيسية في البلاد، لكنها ليست القضية الوحيدة التي تعكر العلاقات مع تركيا، ولن تقبل دمشق أن يكون وضع الميليشيا وحدها مركز المفاوضات.

لذلك فإن حساب الحقل التركي لم يتوافق مع حساب البيدر السوري، إذ اشترطت دمشق على الجانب التركي أنه لن يكون هناك لقاءات من مستوى وزراء الخارجية قبل أن تحصل دمشق على تعهدات وضمانات بسحب قوات الاحتلال التركي من أراضيها.

فهل يعني ذلك تراجع أو فتور الحماس التركي للحوار والتطبيع مع دمشق؟ من يتابع التصريحات التركية يجد أنه وبالتوازي مع انخفاض مستوى تصريحات المسؤولين الأتراك عن المصالحة مع دمشق. عاد الحديث التركي عن العملية العسكرية الوشيكة ضد ميليشيا “قسد” في المناطق الحدودية، لكن ذلك لا يعني بالضرورة توقف المفاوضات أو تراجع العاصمتين عن مسار التقارب، فكثيراً ما يكون الحديث عن تسخين الجبهات أو حتى تسخينها بالفعل، نوع من التفاوض أيضاً.

ومن يعتقد أن تراجع صخب الحديث التركي والروسي حول المصالحة التركية – السورية يرتبط بضغوط أمريكية من جهة وبتصاعد حدة التوتر الغربي – الروسي في أوكرانيا قد يكون محقاً إلى حدٍ ما، لكن من طبيعة الأشياء أنه عندما تبدأ المفاوضات الفعلية يخفت الحديث السياسي تحت ضغط الملفات الشائكة التي يجري التفاوض حولها.

صحيح أن الضغوط الأمريكية على حليفها في الناتو لمنع تقاربه مع القيادة السورية وكذلك تحركات واشنطن العسكرية في منطقة الجزيرة والتنف هي محاولات جدية لوقف الاندفاعة التركية تجاه دمشق من جهة ولعرقلة الانفتاح العربي على القيادة السورية من جهة ثانية.

وكذلك التحركات العسكرية الأمريكية في الشرق السوري والحديث المتجدد عن عمليات مشتركة مع ميليشيا “قسد” ضد تنظيم “داعش” يأتي في سياق منع الميليشيا من التفاهم مع دمشق أيضاً، لأن هذا التفاهم سيكون ملفاً أساسياً في انجاز المصالحة مع الجارة التركية.

لكن رفض واشنطن للتقارب التركي السوري، وإن كان يشوش على مسار المصالحة، لكنه لن يستطيع وقفه في حال وجد “أردوغان” أن هذا التقارب يعزز فرص فوزه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، فواشنطن لم تستطع منعه من شن عمليات عسكرية ضد حلفائها من ميليشيا “قسد” في عفرين ورأس العين سابقاً.

وبالرغم من أن دمشق لا يهمها كثيراً من يفوز في الانتخابات الرئاسية التركية بقدر ما يهمها ماذا ستكون مآلات وتأثيرات هذه الانتخابات على الدور التركي في الحرب على سورية، وهي وإن كانت تعلم جيداً الدور السلبي للرئيس “أردوغان” فيما تعرضت له على مدار عشر سنوات ونيف، لكنها لا تريد أن تفرط بأي فرصة تحصّل فيها حقوقها سواء كانت مع “أردوغان” نفسه أم مع من يأتي فائزاً في الانتخابات المقبلة.

لذلك فإن كان “أردوغان” غير مستعد بعد للوفاء بتعهدات الانسحاب من الأراضي السورية، أو غير راغب بتقديمها دفعة واحدة خشية أن تظهر دمشق بمظهر المنتصر، فإن القيادة السورية قادرة على الانتظار بضعة أشهر إلى ما بعد الانتخابات التركية والتفاوض مع الفائز فيها.

بلا شك أن مسار المفاوضات السورية التركية ليس بالطريق السهل، ولكنه بدأ وسوف يتواصل سواء كان مع “أردوغان” أو مع أي رئيس تركي قادم.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

اقرأ أيضاً: إيران والتقارب السوري – التركي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى