مقالات

“التعبئة الجزئية”.. مقدمة الحرب النووية

“التعبئة الجزئية”.. مقدمة الحرب النووية

 

لقد شكل قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إعلان التعبئة الجزئية من قوات الاحتياط وممن يمتلكون الخبرة في القتال لحظة مفصلية في الحرب الروسية ضد حلف الناتو على الأراضي الأوكرانية، الأمر الذي يؤكد أن الصراع الروسي- الغربي انتقل إلى مرحلة متقدمة وأن الحرب النووية أصبحت مسألة وقت ليس إلاّ، فمتى تبدأ؟

القرار الروسي لم يكن مفاجئاً وجاء على خلفية الهجمات الأوكرانية المضادة التي شنتها قوات كييف مؤخراً ضد القوات الروسية على عدة جبهات ومنها جبهة خاركيف، والتي تؤكد انتقال الناتو من خطة الدعم للقوات الأوكرانية إلى الانخراط المباشر في الحرب تسليحاً وقيادة وتوجيهاً، ولم تكن عملية إعادة تموضع القوات الروسية في المناطق التي سيطرت عليها سوى نتيجة للضغط العسكري الكبير الذي مارسه حلف الناتو والذي شكل خطراً على القوات المنتشرة على جبهة قتال بطول يزيد عن 1000 كم.

وفي الوقت الذي كان فيه الإعلام الغربي المسيطر على مصادر المعلومات في العالم يضخ ويروج عبر منصاته عن انكسار القوات الروسية وهزيمة بوتين المقبلة والتي باتت قاب قوسين أو أدنى بحسب تحليلات وتعليقات كبريات الصحف الغربية، بدأ أصدقاء روسيا يتساءلون، هل ضعفت موسكو وتراجعت قواتها لدرجة يمكن أن تخسر الحرب؟

الرد الروسي على مسارين

لكن الرد الروسي جاء على مسارين الأول الإعلان عن استفتاء في مقاطعات دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا للانضمام لروسيا لتصبح أراض روسية يشكل الاعتداء عليها بمثابة الاعتداء على موسكو، والثاني جاء على لسان الرئيس بوتين بأن موسكو لن تُهزم على مشارف حدودها ولن تتراجع عن أهدافها ولو استلزم ذلك الدعوة إلى “التعبئة العامة” وليس “التعبئة الجزئية” التي تفي بالغرض حالياً، وحتى لو استلزم الأمر استخدام السلاح النووي الذي سيكون رداً على أية مخاطر حقيقية يمكن أن يتعرض لها الأمن القومي الروسي.

كان لافتاً تأكيد الرئيس بوتين بأن الغرب تجاوز في سياساته المناهضة لروسيا “كل الحدود الممكنة” وأنه “لم يعد سراً الحديث عن تدمير روسيا بالكامل في ساحة المعركة باستخدام كل الوسائل الممكنة” بما في ذلك حديث بعض مسؤولي الناتو رفيعي المستوى “حول إمكانية استخدام سلاح الدمار الشامل ضد روسيا”.

"التعبئة الجزئية".. مقدمة الحرب النووية
“التعبئة الجزئية”.. مقدمة الحرب النووية

من يضغط الزر النووي أولاً؟

يبدو أن الرئيس بوتين توصل إلى قناعة أن مسار الحرب يسير باتجاه حرب نووية كبرى، وهو مستعد لها ويذّكر الغرب الذي يطلق تهديداته بقوله “أود تذكيرهم بأن بلادنا كذلك تملك أسلحة دمار شامل وفي بعض أجزائها أكثر تطوراً من نظيراتها لدى دول الناتو، وأمام أي تهديدات لوحدة أراضينا أو سيادتنا نحن قادرون على استخدام هذه الأسلحة وهذا ليس خداعاً” بل هو كلام جاد جداً دفع بعض المحللين للقول أن بوتين دخل غرفة السلاح النووي والكل ينتظر متى يضغط على الزر الأحمر.

في حرب روسيا ضد الناتو على الأرض الأوكرانية قد يكون عديد القوات الروسية مهماً على جبهة مساحتها آلاف الكيلومترات وقد تتوسع، وعديد القوات الروسية الذي يتوقع أن يصل لما يزيد عن 300 ألف جندي مع إعلان التعبئة الجزئية، يكتسب أهميته للسيطرة على المزيد من الأراضي الأوكرانية التي قد تتجاوز العاصمة كييف هذه المرة، رداً على تكتيك واشنطن التي رفعت مستوى أهدافها في الحرب من منع بوتين تحقيق أي انتصار يذكر إلى إلحاق الهزيمة به عبر إطالة أمد الحرب لاستنزاف جيشه واقتصاده والتأثير على معنويات الجيش والشعب الروسي.

لذلك وجد بوتين أن حماية جيشه من هجوم الناتو وتحقيق النصر الذي يسعى إليه لن يتحقق بالخطة السابقة وبعدد محدود من الجيش أو حتى بالسلاح التقليدي في ظل فتح دول الناتو مخازن سلاحها المتطور وعلى رأسهم الولايات المتحدة وزجها في المعركة، الأمر الذي يوحي بأن مسار الحرب وحسمها سيتوقف على سلاح كاسر للتوازنات وساحق للجيش المعادي، فهل يكون النووي؟ ربما.

الرئيس الشيشاني رمضان قديروف الحليف القوى للرئيس بوتين توعد من جهته كييف والناتو بأيام قاسية وأكد أن قرار بوتين إعلان التعبئة الجزئية “وضع قيادة كييف وكل أعضاء الناتو في وضع حرج وميؤس منه”.

"التعبئة الجزئية".. مقدمة الحرب النووية
“التعبئة الجزئية”.. مقدمة الحرب النووية

الرد الغربي.. زيادة الانخراط في الحرب

الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة مازال يعمل بطريقة إثارة الحروب وتحميل مسؤوليتها للغير، وهو يجعل من مواجهة روسيا اليوم “قضية عادلة” تستوجب حشد الناتو وغيره لوقف “العدوان الروسي” على أوكرانيا وفق مصطلحات الإعلام الغربي وسياسيه، فالرئيس جو بايدن اتهم روسيا بإطلاق تهديدات “متهورة” و”غير مسؤولة” باستخدام الأسلحة النووية، فيما اعتبر الأمين العام لحلف الناتو قرار الرئيس بوتين بأنه عمل “يائس ومتهور في مواجهة هزيمة تلوح في الأفق لروسيا”.

بموازاة ذلك حاولت الصحافة الغربية التقليل من أهمية “التعبئة الجزئية” التي أمر بها بوتين بل حاولت ربطها بالتشكيك بالقدرات البشرية للجيش الروسي، خاصة بعد “فشله في غزو العاصمة كييف”، واعتبرت أنه “لا يمكن لأحد أن يتوقع أن توفر التعبئة الجزئية بسرعة القوات الفعالة والحديثة التي ستحتاجها روسيا لمواصلة شن الحرب”.

الصحافة تلك بدأت تحشد لمزيد من الانخراط الغربي في الحرب بقولها “أن إنهاء الحرب ليس بالاستسلام للرئيس بوتين وتهديداته بل بالعكس بالاستمرار في حشد الناتو قواته وتسليحه لنظام كييف لتحقيق النصر على القوات الروسية التي بدأت تظهر علامات واضحة عن تراجعها”.

تدرك وزارة الدفاع الروسية مخططات الغرب وحسابات الناتو وتعلم أن الجيش الروسي لا يحارب بحسب وزير الدفاع سيرغي شويغو أوكرانيا لوحدها بل يحارب “الغرب الجماعي” حيث يدعم الناتو أوكرانيا بنحو 70 قمراً صناعياً عسكرياً و200 قمر صناعي للأغراض المدنية كما يشارك في قيادة الجيش الأوكراني 150 مستشارا عسكريا من “الناتو” والكلام للوزير شويغو.

أين حلفاء روسيا؟

سؤال يطرح نفسه بقوة.. أين حلفاء وأصدقاء روسيا؟ لقد أعلن حلفاء كييف موقفهم وانخرطوا في الحرب تسليحاً وتمويلاً وتدريباً، وفي الوقت الذي تدك فيه صواريخ الناتو الجيش الروسي، ما يزال حلفاء روسيا كالصين وإيران وغيرهما يدعون لحل الأزمة مع أوكرانيا سلمياً بالحوار!!

أي حوار هذا في وقت فتح الغرب حرباً بأحدث الأسلحة ضد روسيا؟ وأي تحالف في المقابل؟ ينبغي أن تدرك الصين وإيران وغيرهما من الدول التي تعتبر نفسها من المحور المناهض للغرب أن هزيمة روسيا في هذه الحرب أياً كان شكل الهزيمة، يعني أن الدور القادم على الصين في تايوان وعلى إيران من الخليج وعلى غيرها وغيرها.

لا نعلم حقيقة الدعم الصيني والإيراني لروسيا، لكنه ينبغي أن يكون على أعلى المستويات العسكرية والاقتصادية، وأن يدركوا أن الحرب حربهم، وإلاّ لن ينفعهم الندم والقول “أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض”.

عبد الرحيم أحمد

اقرأ أيضاً: “سوبر مان” الإدارة المحلية!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى